وفي الآية التّالية - ولكي يتضح بطلان أقوالهم، ومراعاةً لأُسس القضاء والحكم الصحيح - دعا المشركين ليأتوا بشهدائهم المعتبرين لو كان لهم، لكي يشهدوا لهم بأنّ الله هو الذي حرّم الحيوانات والزروع التي ادّعوا تحريمها، لِهذا يقول: (قل هلمّ شهداءكم الذين يشهَدون أنَّ الله حرّم هذا).
ثمّ يضيف قائلا: إِذا كانوا لا يملكون مثل هؤلاء الشهداء المعتبرين (ولا يملكون حتماً) بل يكتفون بشهادتهم وادّعائهم أنفسهم فقط، فلا تشهد معهم ولا تؤيدهم في دعاويهم: (فإِن شهدوا فلا تشهد معهم).
اتضح ممّا قيل إِنّه لا تناقض قطّ في الآية لو لوحظت مجموعةً، وأمّا مطالبتهم بالشاهد في البداية ثمّ أمره تعالى بعدم قبول شهداتهم، فلا يستتبع إِشكالا، لأنَّ المقصود هو الإِشعار بأنّهم عاجزون عن إِقامة الشهود المعتبرين على القطع واليقين، لأنّهم لا يمتلكون أيّ دليل من الأنبياء الإِلهيين والكتب السماوية يسند تحريم هذه الأُمور، ولهذا فإِنّهم وحدَهم الذين يَدَّعُون هذه الأُمور سيشهدون، ومن المعلوم أنّ مثل هذه الشهادة مرفوضة.
هذا مضافاً إِلى أنّ جميع القرائن تشهد بأنّ هذه الأحكام ما هي إِلاّ أحكام مصطنعة مختلقة نابعة عن محض الهوى والتقليد الأعمى، ولا اعتبار لها مطلقاً.
ولذلك قال في العبارة اللاحقة: (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة، وهم بربّهم يعدلون) (4).
يعني أنّ وثنيتهم، وإِنكارهم للقيامة والبعث، والخرافات، وإِتباعهم للهوى، شواهد حيّة على أنّ أحكامهم هذه مختلقة أيضاً، وأنّ إِدّعاهم في مسألة تحريم هذه الموضوعات من جانب الله لا قيمة له، ولا أساس له من الصحة.
﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ﴾ أحضروهم ﴿الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ فلا تصدقهم إذ التصديق كالشهادة معهم بالباطل ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ وضع موضع ولا تتبع أهواءهم ليدل على أن مكذب الآيات متبع هواه لا غيره ﴿وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ كعبدة الأصنام ﴿وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يجعلون له عديلا وتفيد الآية منع التقليد ووجوب اتباع الحجة دون الهوى.