سبب النّزول
كان جمع من اليهود يعتقدون أن يعقوب عندما حضرته الوفاة أوصى بنيه أن يعتنقوا اليهودية (بتحريفاتها السائدة خلال عصر البعثة المباركة)، والله سبحانه أنزل هذه الآية.
التّفسير
كما رأينا في سبب النّزول، وظاهر الآية يدل على ذلك أيضاً، كان جمع من منكري الإِسلام ينسبون ما لا ينبغي نسبته إلى النّبي يعقوب، والقرآن يرد عليهم بالقول: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾؟!
هذا الذي نسبوه إليه ليس بصحيح، بل الذي حدث آنذاك ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾؟
في الجواب ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ ابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
أجل فإنّ يعقوب لم يوصِ أبناءه بشيء غير التوحيد والتسليم لربّ العالمين والذي هو الاساس لبرنامج الأنبياء.
من الآية يبدو أن قلقاً ساور يعقوب لدن أن حضرته الوفاة بشأن مستقبل يأبنائه، وعبّر عن قلقه هذه متسائ: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾؟ وإنما قال: ﴿مَا تَعْبُدُونَ...﴾ولم يقل «مَنْ تَعْبُدُونَ...» لتلوث البيئة الإِجتماعية آنذاك بالشرك والوثنية، أي بعبادة الأشياء من دون الله.
فأراد يعقوب أن يفهم ما في قرارة نفوس أبنائه من ميول واتجاهات، وبعد أن استمع الجواب اطمأنت نفسه.
ويلفت النظر هنا أن إسماعيل لم يكن أبا ليعقوب ولا جدّه، بل عمّه، بينما الآية استعملت كلمة «آباء»، ويتضح من ذلك أن كلمة «الأب» تطلق أيضاً على «العم» توسعاً، ومن هنا نقول بالنسبة لآزر، الذي ذكره القرآن باعتباره والد إبراهيم، أنه لا يمنع أن يكون عمّ إبراهيم لا والده. (تأمل بدقّة).
آخر آية في بحثنا، تجيب على توهّم آخر من توهمات اليهود، فكثير من هؤلاء كانوا يستندون إلى مفاخر الآباء والأجداد وقرب منزلة أسلافهم من الله تعالى، فلا يرون بأساً في انحرافهم هم ظانين أنهم ناجون بوسيلة أُولئك الأسلاف.
﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ المراد به أخذ ميثاقهم على الثبات على الإسلام والتوحيد ﴿قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ﴾ عطف بيان لآبائك وعد إسماعيل منهم لأن العم يسمى أبا ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾ بدل من إله آبائك للتصريح بالتوحيد ورفع توهم ينشأ من تكرير المضاف أو نصب على الاختصاص ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ حال من فاعل نعبد أو مفعوله أو منهما أو اعتراض.