لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وبالرغم من أنّ مضمون هذه الآية تأكيد لما سبق من الآيات المتقدمة، إلاّ أنّ هناك فرقاً بينهما، حيث كان الكلام في ما سبق على عدم رعاية المشركين حرمةً لخصوص النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه المتقّين حوله (كيف وان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًَّ ولا ذمّة) أمّا الآية محل البحث فالكلام فيها عن عدم رعايتهم حرمة لكل مؤمن (لا يرقبون في مؤمن إلاًَّ ولا ذمّة). أي إن المشركين لا ينظرون اليكم (النّبي والخواص من الصحابة) نظرة تمتاز عن سواكم بل هذه النظرة - نظرة العداء والبغضاء - يَنظر بها المشركون إِلى كلّ مؤمن، ولا يكترثون بكل شيء ولا يرعون حرمة ولا عهداً، فهم في الحقيقة أعداء الإِيمان والحقّ، وهم مصداق ما ذكره القرآن في شأن أقوام سابقين أيضاً حيث يقول: (وما نقموا منهم إلاّ أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) (2). ملاحظتان 1 - من هم المستثنون في هذه الآية؟ جرى الكلام بين المفسّرين في الطائفة المستثناة من الحكم: (إلاّ الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) فمن هؤلاء المستثنون في هذه الآية؟! إلاّ أنّه بملاحظة الآيات السابقة، يظهر أن المراد من هذه الجملة هم أُولئك الذين بقوا على عهدهم ووفائهم، أي القبائل التي هي من بني ضمرة وبني كنَانة وبني خزيمة وأضرابهم. وفي الحقيقة فإنّ هذه الجملة بمنزلة التأكيد للآيات السابقة، فإنّ على المسلمين أن يكونوا حذرين واعين، وأن يعرفوا هؤلاء الأوفياء بالعهد ويميزوهم عن سواهم الناكثين للعهد. وما قوله تعالى: (عاهدتم عند المسجد الحرام) فلعل هذا التعبير يشير إِلى ما كان من معاهدة بين المسلمين والمشركين في السنة السادسة للهجرة، عند صلح الحديبية على بعد خمسة عشر ميلا عن مكّة، فقد التحق جماعة آخرون من مشركي العرب كالقبائل المشار إليها آنفاً بهذه المعاهدة حيث عاهدوا المسلمين عن ترك الخصام، إلاّ أن مشركي قريش نقضوا عهدهم، ثمّ أسلموا في السنة الثامنة عند فتح مكّة. أمّا الجماعة التي التحقت حينئذ من المشركين بمن عاهد المسلمين، فلم يسلموا ولم ينقضوا عهدهم. ولمّا كانت أرض مكّة تستوعب منطقة واسعة "حولي 48 ميلا" فقد عُدّت المنطقة كلها جزءاً من المسجد الحرام، كما نقرأ عن ذلك في الآية (196) من سورة البقرة، إذ تذكر موضوع حج التمتع وأحكامه فتقول: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام). والمعروف عند الفقهاء وفتاواهم أن أحكام حج التمتع إنما تجب على من تبعد داره "أو دار أهله" أكثر من 48 ميلا عن مكّة. فبناءً على ذلك لا مانع أبداً من أن يطلق على الحديبية، التي تبعد 15 ميلا عن مكّة، تعبير: عند المسجد الحرام. وأمّا قول بعضهم: إن الإِستثناء الوارد في الآية إنما هو في شأن مشركي قريش، الذين عدّ القرآن الكريم عهدهم الذي عقدوه في صلح الحديبية محترماً، فهذا القول يبدو بعيداً، بل هو غير صحيحى، لأنّه. أوّلا: من المعلوم أنّ مشركي قريش نقضوا العهد، فنقضهم مقطوع به، ولا مراء فيه، فإن لم يكونوا قد نقضوا العهد، فمن الذين لم ينقضوا عهدهم إذاً؟! ثانياً: إن صلح الحديبية إنّما كان في السنة السادسة للهجرة، بينما أسلم مشركو قريش في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكّة، فبناءً على ذلك فالآيات هذه النازلة في السنة التاسعة للهجرة، لا يمكن أن تكون ناظرةً إليهم. 2 - متى يجور الغاء المعاهدة؟ كما قلنا ذيل الآيات المتقدمة، فإنّ المراد من الآيات محل البحث لا يعني جواز الغاء العهد بمجرّد تصميم المشركين وعزمهم على نقض العهد عند بلوغهم القدرة، بل إنّهم أبدوا هذا الأسلوب وطريقة تفكيرهم عمليّاً مراراً، فمتى استطاعوا أن يوجهوا ضربتهم إِلى الإسلام دون الإِلتفات إِلى المعاهدة وجهوها. وهذا المقدار من عملهم كاف لإِلغاء عهدهم. ﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾ لا تكرار إذ الأول عام ﴿وَ﴾ هذا يخص المشترين ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ في الطغيان.