سبب النّزول
عن ابن عباس أن جماعة من علماء اليهود ونصارى أهل نجران خاصموا أهل الإِسلام، كل فرقة تقول إنها أحق بدين الله من غيرها، فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء، وكتابنا التوراة أفضل الكتب، وقالت النصارى: عيسى أفضل الأنبياء، وكتابنا الإِنجيل أفضل الكتب، وكل فريق منهما قال للمؤمنين: كونوا على ديننا، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
التّفسير
نحن على حقّ لا غيرنا!
التمحور والإِنغماس في الذاتية يؤدي إلى أن يحتكر الإِنسان الحقّ لنفسه، ويعتبر الآخرين على باطل، ويسعى إلى أن يجرهم إلى معتقداته.
الآية الاُولى تتحدث عن مجموعة من أهل الكتاب يحملون مثل هذه النظرة الضيقة، ونقلت عنهم القول: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْنَصَارى تَهْتَدُوا﴾.
فيردّ عليهم القرآن مؤكداً أن الأديان المحرّفة لا تستطيع إطلاقاً أن تهدي الإِنسان ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
التدين الخالص هو اتباع الخط التوحيدي الخالص غير المشوب بالشرك.
ورعاية هذا الأساس أهم معيار للتمييز بين الأديان الصحيحة والأديان المنحرفة.
يعلمنا الإِسلام أن لا نفرق بين الرسل، وأن نحترم رسالاتهم، لأن المبادىء الأساسية للأديان الحقّة واحدة، موسى وعيسى كانا أيضاً من أتباع ملة إبراهيم... أي من أتباع الدين التوحيدي الخالص من الشرك، وإن حرّف المغرضون من أتباعهما ما جاءا به، وجعلوه مشوباً بالشرك.
و(كلامنا هذا لا يتنافى طبعاً مَعَ إيماننا بأن البشرية يجب أن تتبع آخر الاديان السماوية أي الإِسلام).
﴿وَقَالُواْ﴾ أي أهل الكتاب ﴿كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ أي دعا كل من الفريقين إلى دينه ﴿تَهْتَدُواْ﴾ جواب كونوا ﴿قُلْ بَلْ﴾ نتبع ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ حال أي مائلا من الباطل إلى الحق ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ تعريض بأهل الكتاب وغيرهم إذ دعوا أتباعه وهم مشركون.