التّفسير
مَن يعمر مساجد الله؟
من جُملة المسائل التي يمكن أن تخالط اذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد، هو: لِمَ نُبْعِد هذه الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج، مع أنّ مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه "المادية والمعنوية" إذ يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت الله فالآيتان - محل البحث - تردّان على مثل هذه الأفكار الواهية التي لا أساس لها، وتصّرح الآية الأُولى منهما بالقول: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر).
وشهادتهم على كفرهم جلية من خلال أحاديثهم وأعمالهم، بل هي واضحة في طريقة عبادتهم ومراسم حجّهم.
ثمّ تشير الآية إِلى فلسفة هذا الحكم فتقول: (أُولئك حبطت أعمالهم).
ولذلك فهي لا تجديهم نفعاً: (وفي النّار هم خالدون).
فمع هذه الحال لا خير في مساعيهم لعمارة المسجد الحرام وبنائه وما إِلى ذلك، كما لا فائدة من كثرتهم واحتشادهم حول الكعبة.
فالله طاهر منزّه، وينبغي أن يكون بيته طاهراً منزّهاً كذلك، فلا يصح أن تمسه الأيدي الملوثة بالشرك.
﴿مَا كَانَ﴾ ما صح ﴿لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله﴾ شيئا منها أو المسجد الحرام وجمع لأنه قبلة المساجد فكأنه الجميع ﴿شَاهِدِينَ﴾ حال من الواو ﴿عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ أي يدل قولهم وفعلهم على كفرهم ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ﴾ بطلت ﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ التي هي من جنس الطاعة لفقد شرطها ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾.