ثمّ يردّ موسى(ع) على كلام فرعون الذي يمنُّ به عليه في أنّه ربّاه وتعهده منذ طفولته وصباهُ، معترضاً عليه بلحن قاطع فيقول: (وتلك نعمة تمنُّها عليّ أن عبّدتِ بني إسرائيل).
صحيح أنّ يد الحوادث ساقتني - وأنا طفل رضيع - إلى قصرك، لأتربّى في كنفك، وكان في ذلك بيان لقدرة الله، لكن ترى كيف جئت إليك؟ ولم لا تربيتُ في أحضان والديّ وفي بيتهما؟!
ألم يكن ذلك لأنّك عبّدت بني إسرائيل وصفّدت أيديهم بنير الأسر! حتى أمرت أن يُقتل الأطفال الذكور وتستحيا النساء للخدمة؟!
فهذا الظالم المفرط من قبلك، كان سبباً لأن تضعني اُمي في الصندوق حفاظاً عليّ، وتلقيني في أمواج النيل، وكانت مشيئة الله أن تسوق الأمواج "زورقي" الصغير حتى توصله إلى قصرك... أجل إن ظلمك الفاحش هو الذي جعلني رهين منّتك وحرمني من بيت أبي الكريم، وصيرني في قصرك الملوّث!...
وبهذا التّفسير يتّضح ارتباط جواب موسى بسؤال فرعون تماماً.
كما يحتمل في تفسير هذه الآية أنّ مراد موسى(ع) هو الإِعتراض على فرعون بأنّه لو كانت تربيتي عندك نعمةً من قبلك، فهي إزاء ظلمك لبني إسرائيل بمثابه القطرة في مقابل البحر، فأية نعمةَ لك عليّ مع ما عندك من الظلم والجور على الناس؟!
والتّفسير الثّالث لجواب موسى لفرعون، هو أنّه: لو تربيت في قصرك وتمتعت بنعمك المختلفة، فلا تنس بُناة قصرك الأوائل فهم أرقّاء من قومي، والموجدون لجميع تلك النعم هم أسراؤك من بني إسرائيل، فكيف تمنّ عليّ بجهود قومي وأتعابهم؟!
وهذه التفاسير الثلاثة لا تتنافى جميعاً، وإن كان التّفسير الأوّل من بعض الجهات أكثر وضوحاً!
ويستفاد من عبارة: "من المرسلين" ضمناً بأنّني لست الوحيد المرسل من قبل الله. فمن قبلي جاء رُسُل عدّة، وأنا واحدٌ منهم، إلاّ أن فرعون نسيَهم أو تناساهم!!
﴿وَتِلْكَ﴾ التربية ﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ اتخذتهم عبيدا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم.