(فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) "بأمر الله".
ثمّ أظهر إعجازاً آخر حيث أدخل يده في جيبه (اعلى الثوب) وأخرجها فاذا هي بيضاء منيرة: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين).
في الحقيقة إن هاتين المعجزتين الكبيرتين، إحداهما كانت مظهر الخوف، والأُخرى مظهر الأمل، فالأُولى تناسب مقام الإنذار، والثّانية للبشارة! والأُولى تبيّن عذاب الله، والأُخرى نورٌ وآية رحمة! لأنّ المعجزة ينبغي أن تكون منسجمةً مع دعوة النّبي(ع).
"الثعبان" معناه الحية العظيمة، ويحتمل الراغب في مفرداته أن "الثعبان" من مادة (ثعب) المأخوذ معناه من جريان الماء، لأنّ حركة هذا الحيوان تشبه الأنهار المتحركة!
والتعبير بـ "المبين" لعله إشارة إلى هذه الحقيقة! وهي أنّ عصّا موسى(ع) تبدلت إلى ثعبان عظيم فعلا، ولم يكن في الأمر من إيهام أو سحر.
ولا بأس بذكر هذه اللطيفة الدقيقة هنا، وهي أنّ الآية محل البحث عبرت عن تبدل العصا بـ "ثعبان". أمّا الآية العاشرة من سورة النمل، والآية الحادية والثلاثون من سورة القصص، فقد عبرت عنها بـ "جان" "ما تجنّه(1) الأرض وما يمشي عليها من الأفاعي الصغار بسرعة وقفز". أمّا الآية العشرون من سورة طه فقد عبّرت عنها بأنّها "حية" "المشتقّة من الحياة".
وهذا التفاوت أو الإختلاف في التعابير مثير للسؤال في بدو النظر، إلاّ أنّ الإختلاف أو التفاوت إنّما هو لبيان واحد من أمرين:
1 - لعله إشارة إلى حالات ذلك الثعبان المتباينة، ففي البداية تبدلت العصا إلى جانّ أو حية صغيرة، ثمّ بدأت تكبر حتى صارت ثعباناً مبيناً!...
2 - أو أنّ هذه الألفاظ الثلاثة "الثعبان، والجان، والحية" كلٌّ منها يرمز إلى بعض الخصائص الموجودة في تلك العصا المتبدلة إلى حالة جديدة! فالثعبان إشارة إلى عظمتها، والجان إشارة إلى سرعتها، والحية إشارة إلى حياتها!
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ بين الثعبانية.