ثمّ يتناول القرآن ضعاف الإِيمان الكسالى الذين يتشبثون بالحجج الواهية للفرار من ساحة القتال، فيخاطب النّبي مبيّناً واقعهم فيقول: (لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لأتبعوك (1) ولكن بعدت عليهم الشقة (2))والعجيب أنّهم لا يكتفون بالأعذار الواهية، بل (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم).
فعدم ذهابنا إِلى ساحات القتال إِنّما هو لضعفنا وعدم اقتدارنا وابتلائنا!!
(يهلكون أنفسهم والله يعلم أنّهم لكاذبون).
فهم قادرون على الذهاب إِلى ساحات القتال، لكن حيث أن السفر ذو مشقة، ويواجهون صعوبةً وحرجاً، فإنّهم يتشبثون بالكذب والباطل.
ولم يكن هذا الأمر منحصراً بغزوة تبوك وعصر النّبي (ص) فحسب، ففي كل مجتمع فئة من الكسالى والمنافقين والطامعين والانتهازيين الذين ينتظرون لحظات الإنتصار ليقحموا أنفسهم في الصفوف الأُولى، ويصرخوا بعالي الصوت أنّهم المجاهدون الأوائل والمخلصون البواسل، لينالوا ثمرات جهود الآخرين في انتصارهم دون أن يبذلوا أيّ جهد!
غير أنّ هؤلاء "المجاهدين" المخلصين!!
كما يزعمون، حين يواجهون الشدائد والأزمات يلوذون بالفرار ويتشبثون بالأعذار الباطلة والحجج الواهية.
كأن يقول أحدهم: إِنّي مريض، ويقول الآخر: إِنى مبتلىً بطفلي، ويقول الثّالث: زوجي مُقرب وعلى وشك الولادة، ويقول الرّابع: ياليتني كنت معكم لولا ضعف في عينيّ لا أبصر بهما، ويقول الخامس: أنا أتدارك مقدمات الأمر وأنا على أثركم، وهكذا... إِلاّ أنّ على القادة والصفوة من النّاس أن يعرفوا هذه الفئة من بداية الأمر، وإذا لم يكونوا أهلا للإِصلاح فينبغي إِخراجهم وطردهم من صفوف المجاهدين.
﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ﴾ كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) أذن لجماعة في التخلف عنه وكان الأولى ترك الإذن فعوتب عليه ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ في التخلف ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ﴾ في عذرهم ﴿وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيه.