وفي الآية التالية إشارة إلى هذه الحقيقة، وهي أن عدم مساهمة مثل هؤلاء الأفراد في ساحة الجهاد ليس مدعاة للتأثر والأسف فحسب، بل لعله مدعاة للسرور، لأنّهم لا ينفعونكم فحسب، بل سيكونون بنفاقهم ومعنوياتهم المتزلزلة وانحرافهم الأخلافي مصدراً لمشاكل أُخرى جديدة.
والآية في الحقيقة تعطي درساً للمسلمين أن لا يكترثوا بكثرة المقاتلين أو قلّتهم وكميتهم وعددهم، بل عليهم أن يفكروا في اختيار المخلصين المؤمنين وإن كانوا قِلّة، فهذا درس لمسلمي الماضي والحاضر والمستقبل.
وتقول الآية: (لو خرجوا فيكم) أي إِلى تبوك للقتال (ما زادوكم إلاّ خبالا).
"الخبَال" بمعنى الإِضطراب والتردد.
والخَبَل على زنة "الأجَل" معناه الجنون.
والخَبْلُ على زنة "الطَبْل" معناه فساد الأعضاء.
فبناءً على ذلك فإنّ حضورهم بتلك الروحيّة الفاسدة المقرونة بالتردد والنفاق لا أثر له سوى إيجاد الشك والتردد وتثبيط العزائم بين جنود الإِسلام.
وتضيف الآية قائلة: (ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) (2)
ثمّ تنذر المسلمين مِن المتأثرين بهم في صفوف المسلمين (وفيكم سمّاعون لهم).
"السمّاع" تطلق على من يسمع كثيراً دون تروٍّ أو تدقيق، فيصدِّق كل كلام يسمعه.
فبناءً على ذلك فإنّ وظيفة المسلمين الراسخين في الإيمان مراقبت مثل هؤلاء الضعفاء لئلا يقعوا فريسة المنافقين الذئاب.
كما يَرِدُ هذا الإِحتمال، وهو أنّ المراد من السمّاع في الآية هو الجاسوس الذي يتجسّس بين المسلمين ويجمع الأخبار للمنافقين.
وتُختتم الآية بالقول: (والله عليم بالظالمين).
﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ﴾ شيئا ﴿إِلاَّ خَبَالاً﴾ فسادا أو شرا ﴿ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾ أسرعوا بإبلهم في الدخول بينكم بالنميمة والتخذيل من وضعت الناقة أي أسرعت ﴿يَبْغُونَكُمُ﴾ حال يطلبون لكم ﴿الْفِتْنَةَ﴾ بتخويفكم ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ أي قابلون لقولهم أو عيون ينقلون حديثكم إليهم ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ وما أضمروا لكم.