الآية تجيب على واحد آخر من هذه الإِدعاءات الفارغة وتقول: ﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاَْسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارى﴾؟!
ثم تجيب الآية عن هذا الإِدعاء بشكل رائع فتقول: ﴿قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ﴾؟!
فالله أعلم أنهم ما كانوا يهوداً ولا نصارى.
وقد تعلمون أنتم أيضاً أن هؤلاء الأنبياء أدّوا رسالتهم قبل موسى وعيسى.
وإن كنتم لا تعلمون فاطلاق مثل هذه الأقوال بدون علم وتثبيت تهمة وذنب، وكتمان للحقيقة ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ﴾.
اعلموا أنه ﴿وَمَا اللهُ بِغَافِل عَمَّا تَعْلَمُونَ﴾.
حين ينتهج الإِنسان خط العناد واللجاج فإن إعراضه عن الحقيقة لا حدّ له، ينكر أبسط المسلّمات، ويرفض أوضح الواضحات.
والآية تذكر نموذجاً لذلك في هذه المجموعة التي بلغ بها العناد واللجاج أن تعتبر أنبياء الله - الذين سبقوا موسى وعيسى من أمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب - من اليهود أو النصارى.
وبذلك يكتمون حقيقة واضحة لها إرتباط بإيمان النّاس ومعتقداتهم، ولذلك يصف القرآن هؤلاء الذين يكتمون الحقائق بأنهم أظلم النّاس، لأنه لا ظلم أكبر من كتمان الحقائق عن النّاس عمداً، وجرّ الآخرين إلى طريق الضلال.
﴿أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ أم منفصلة والهمزة للإنكار وقرىء بتاء الخطاب فيجوز كونها عديلة همزة أتحاجوننا ﴿قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ﴾ وقد قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا وقال ما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده والمعطوفون عليه أتباعه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ﴾ تعريض لأهل الكتاب بكتمهم ما نزل في محمد ﴿وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وعيد لهم.