والآية التالية تصوّر شدّة عداوة المنافقين للمؤمنين ونفورهم منهم، في عبارة موجزة إلاّ أنّها في غاية المتانة والبلاغة، إذ تقول: (لو يجدون ملجأً أو مغارات أو مدّخلا لولّوا إِليه وهم يجمحون).
"الملجأ" معناه معروف، وهو ما يأوي إِليه الخائف عادة، كالقلاع والكهوف وأضرابهما.
و"المغارات" جمع مغارة.
و"المدّخل" هو الطريق الخفي تحت الأرض، كالنقب مثلا.
و"يجمحون" مأخوذ من الجماح، ومعناه الحركة السريعة والشديدة التي لا يتأتى لأيّ شيء أن يصدها، كحركة الخيول المسرعة الجامحة التي لا تطاوع أصحابها، ولذلك سُمّي الجواد الذي لا يطاوع صاحبه جموحاً أو جامحاً.
وعلى كل حال، فهذه الآية واحدة من أبلغ الآيات والتعابير التي يسوقها القرآن في وصف المنافقين، وبيان هلعهم وخوفهم وبغضهم إِخوانهم المؤمنين، بحيث لو كان لهم سبيل للفرار من المؤمنين، ولو على قمم الجبال أو تحت الأرض، لَولّوا إِليه وهم يجمحون، ولكن ما عسى أن يفعلوا مع الروابط التي تربطهم معكم من القبيلة والأموال والثروة، كل ذلك يضطرهم إِلى البقاء على رغم أنوفهم.
﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ حرزا يلجئون إليه ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ غيرانا ﴿أَوْ مُدَّخَلاً﴾ سربا يدخلونه ﴿لَّوَلَّوْاْ﴾ عنكم ﴿إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ يسرعون لا يردهم شيء كالفرس الجموح.