ثمّ أضافوا بأنّهم واجهوا النّبي موسى(ع) من قبل بالتكذيب وأذنبوا كثيراً، ولكن مع ذلك فـ (إنا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا أن كنا أوّل المؤمنين)...
إنّنا لا نستوحش اليوم من أي شيء، لا من تهديداتك، ولا من تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف ولا من الصلب على جذوع النخل.
وإذا كنّا نخاف من شيء، فإنّما نخاف من ذنوبنا الماضية، ونرجوا أن تمحى في ظل الإيمان وبفضل الله ولُطْفهِ!
أية طاقة وقوّة هذه التي إن وُجدت في الإنسان صغرت عندها أعظم القوى، وهانت عنده أشد الأُمور، وكرمت نفسه بسخاء في موقف التضحية والإيثار؟!
إنّها قوّة الإيمان.
إنّها شعلة العشق النيرة، التي تجعل الشهادة في سبيل الله أحلى من الشهد والعسل، وتصيّر الوصال إلى المحبوب أسمى الأهداف!
هذه هي القوّة التي استعان بها النّبي(ص) وربّى المسلمين الأوائل عليها، وأوصل أمة جهلاءَ متأخرة إلى أوج الفخر بسرعة مذهلة، فكانت الأُمة المسلمة التي اذهلت الدنيا!
إلاّ أن هذا المشهد - على كل حال - كان غالياً وصعباً على فرعون وقومه، بالرغم من أنّه طبّق تهديداته - طبقاً لبعض الروايات - فاستشهد على يديه السحرة المؤمنون - إلاّ أن ذلك لم يطفىء عواطف الناس تجاه موسى فحسب، بل أثارها أكثر فأكثر!...
ففي كل مكان كانت اصداء النّبي الجديد... وفي كل حدب وصوب حديث عن أوائل الشهداء المؤمنين، وهكذا آمن جماعة بهذا النحو، حتى أن جماعة من قوم فرعون وأصحابه المقربين حتى زوجته، آمنوا بموسى ايضاً.
وهنا ينقدح هذا السؤال، وهو: كيف عبر السحرة التائبون المؤمنون عن أنفسهم بأنّهم أوّل المؤمنين...
هل كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين في ذلك المشهد؟!
أو كان مرادهم أنّهم أوّل المؤمنين من حماة فرعون؟!
أو أنّهم أوّل المؤمنين الذين وردوا "الشهادة".
كل هذه الأُمور محتملة، ولا تتنافى في مابينها.
وهذه التفاسير إنّما تصحّ في صورة ما لو قلنا بأنّ جماعة من بني إسرائيل أو من غيرهم آمنوا بموسى قبل ذلك، أما لو قلنا بأنّهم أمروا بعد البعثة أن يتصلوا بفرعون مباشرةً وأن يوردوا الضربة الأُولى عليه، فلا يبعد أن يكونوا أول المؤمنين، ولا حاجة عندئذ إلى تفسير آخر.
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن﴾ لأن ﴿كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ في زماننا أو من رعية فرعون.