أمّا الإية الثّانية فإنّها أشارت إلى أُسلوب آخر من أساليب المنافقين، وقالت: (ولئن سألتهم ليقولون إنّما كنا نخوض ونلعب) (1).
أي إذا سألتهم عن الدافع لهم على هذه الأعمال المشينة قالوا: نحن نمزح وبذلك ضمنوا طريق العودة، فهم من جهة كانوا يخططون المؤامرات، ويبثون السموم، فإذا تحقق هدفهم فقد وصلوا إلى مآربهم الخبيثة أمّا إذا افتضح أمرهم فإنّهم سيتذرعون ويعتذرون بأنّهم كانوا يمزحون، وعن هذا الطريق سيتخلصون من معاقبة النّبي (ص) والناس لهم.
إن المنافقين في أي زمان، تجمعهم وحدة الخطط، والضرب على نفس الوتر، لذا فلهم نغمة واحدة، وهم كثيراً ما يستفيدون ويتبعون هذه الطرق، بل إنّهم في بعض الأحيان يطرحون أكثر المسائل جدية لكن بلباس المزاح الساذج البسيط، فإن وصلوا إِلى هدفهم وحققوه فهو، وإِلاّ فإنّهم يفلتون من قبضة العدالة بحجّة المزاح.
غير أنّ القرآن الكريم واجه هؤلاء بكل صرامة، وجابههم بجواب لا مفرّ معه من الإِذعان للواقع، فأمر النّبي (ص) أن يخاطبهم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون) ، أي إِنّه يسألهم: هل يمكن المزاح والسخرية حتى بالله ورسوله وآيات القرآن؟!
هل إنّ هذه المسائل التي هي أدق الأُمور وأكثرها جدية قابلة للمزاح؟!
هل يمكن إِخفاء قضية تنفير البعير وسقوط النّبي (ص) من تلك العقبة الخطيرة، والتي تعني الموت، تحت عنوان ونقاب المزاح؟
أم أنّ السخرية والإِستهزاء بالآيات الإِلهية وإِخبار النّبي بالإِنتصارات المستقبلية من الأُمور التي يمكن أن يشملها عنوان اللعب؟
كل هذه الشواهد تدل على أنّ هؤلاء كان لديهم أهداف خطيرة مستترة خلف هذه الأستار والعناوين.
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ عن استهزائهم بك وبالقرآن ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ﴾ في أمرنا لا في أمرك ﴿وَنَلْعَبُ﴾ نمزح ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ﴾.