التّفسير
مصير الفراعنة:
في الآيات المتقدمة... رأينا كيف أنّ موسى خرج منتصراً من تلك المواجهة. رغم عدم إيمان فرعون وقومه إلاّ أن هذه القضية كان لها عدة آثار مهمّة، يعدُّ كلٌ منها انتصاراً مهمّاً:
1 - آمن بنو إسرائيل بنبيّهم "موسى(ع) " والتفّوا حوله بقلوب موحّدة... لأنّهم بعد سنوات طوال من القهر والتعسف والجور يرون نبيّاً سماوياً في أوساطهم يضمن هدايتهم وعلى استعداد لأنّ يقود ثورتهم نحو الحرية وتحقيق النصر على فرعون..
2 - لقد شقّ موسى(ع) طريقة وسط أهل مصر من الأقباط وغيرهم... ومال إليه جمع منهم، أو على الأقل خافوا من مخالفته، وطافت أصداء دعوة موسى في أرجاء مصر جمعاء!
3 - وأهمّ من كل ذلك أنّ فرعون لم ير في نفسه القدرة - لا من جهة أفكار عامّة الناس، ولا من جهة الخوف على مقامة - على مواجهة رجل له عَصَا كهذه العصا، ولسان مؤثر كلسان موسى.
هذه الأُمور هيأت أرضية ملائمة لأن ينشر موسى(ع) دعوته بين الناس، ويتمّ الحجة عليهم!
ومرّت سنون طوال على هذا المنوال، وموسى(ع) يظهر المعاجز تلو المعاجز - كما أشارت إليها سورة الأعراف وبينّاها في ذيل الآيات 130 - 135 منها - إلى جانب منطقه المتين، حتى ابتلى الله أهل مصر بالقحط والجذب لسنوات لعلهم يتّقون "لمزيد الإيضاح لا بأس بمراجعة تفسير الآيات آنفة الذكر"...
ولمّا أتمّ موسى على أهل مصر الحجة البالغة، وامتازت صفوف المؤمنين من صفوف المنكرين، نزل الوحيُ على موسى أن يخرج بقومه من مصر، والآيات التالية تجسد هذا المشهد فتقول أوّلا: (وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي أنّكم متبعون).
وهذه خطة إلهية على موسى(ع) أن يمتثلها ويسري بقومه ليلا، وإنّ على فرعون وقومه أن يعلموا ذلك فيتبعوهم ليحدث ما يحدث بأمر الله.
والتعبير بـ "عبادي" بضمير الإفراد، مع أن الفعل (أوحينا) في الجملة ذاتها مسند إلى ضمير الجمع، إنّما هو لبيان منتهى محبة الله لعباده المؤمنين...
وفعلا امتثل موسى(ع) هذا الأمر، وعبأ بني إسرائيل بعيداً عن أعين أعدائهم، وأمرهم بالتحرك، واختار الليل خاصّة لتنفيذ أمر الله لتكون خطته نافذة.
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى﴾ بعد سنين أقامها بينهم يدعوهم بالآيات إلى الحق فلم يجيبوا ﴿أَنْ﴾ بأن أو أي ﴿أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ بالقطع والوصل أي سر بهم ليلا ﴿إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ يتبعكم فرعون وجنوده تعليل لأسر.