ثمّ يأمر القرآن النّبي (ص) أن يقول للمنافقين بصراحة: (لا تعتذروا) ، والسبب في ذلك أنّكم (قد كفرتم بعد إيمانكم) ، فهذا التعبير يُشعر أن هذه الفئة لم تكن منذ البداية في صف المنافقين، بل كانوا مؤمنين لكنّهم ضعيفو الإِيمان، بعد هذه الحوادث الآنفة الذكر سلكوا طريق الكفر.
ويحتمل أيضاً في تفسير العبارة أعلاه أن هؤلاء كانوا منافقين من قبل، إلاّ أنّهم لم يظهروا عملا مخالفاً، فإنّ النّبي (ص) والمسلمين كانوا مكلّفين أن يعاملوهم كأفراد مؤمنين، لكن لما رفع النقاب بعد أحداث غزوة تبوك، وظهر كفرهم ونفاقهم أُعلِم هؤلاء بأنّهم لم يعودوا من المؤمنين.
واختتمت الآية بهذه العبارة: (إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين) فهي تبيّن أنّ طائفة قد استحقت العذاب نتيجة الذنوب والمعاصي، وهذا دليل على أن أفراد الطائفة الأُخرى إِنّما شملهم العفو الإِلهي لأنّهم غسلوا ذنوبهم ومعاصيهم بماء التوبة من أعماق وجودهم.
وفي الآيات القادمة - كالآية 74 - قرينة على هذا المبحث.
وقد وردت روايات عديدة في ذيل الآية، تبيّن أن بعض هؤلاء المنافقين الذين مرّ ذكرهم في هذه الآيات قد ندموا على ما بدر منهم من أعمال منافية للدين والأخلاق فتابوا، غير أن البعض الآخر قد بقي على مسيرته حتى النهاية.
﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ﴾ بالأكاذيب ﴿قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ إظهاركم الإيمان ﴿إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ﴾ لتوبتهم وإخلاصهم ﴿نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ مصرين على نفاقهم.