لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الاُمّة الوسط: بهذه الآية تشير إلى جانب من أسباب تغيير القبلة، تقول أوّ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ أي كما جعلنا القبلة وسطا، كذلك جعلناكم أُمّة في حالة اعتدال، لا يشوبها إفراط ولا تفريط في كل جوانب حياتها. أما سبب كون قبلة المسلمين قبلة وسطاً، فلأن النصارى - الذين يعيش معظمهم في غرب الكرة الأرضية - يولون وجوههم صوب الشرق تقريباً حين يتجهون إلى قبلتهم في بيت المقدس حيث مسقط رأس السيد المسيح. واليهود - الذين يتواجدون غالباً في الشامات وبابل - يتجهون نحو الغرب تقريباً حين يقفون تجاه بيت المقدس. أما «الكعبة» فكانت بالنسبة للمسلمين في المدينة تجاه الجنوب، وبين المشرق والمغرب، وفي خط وسط. وهذا ما يُفهم من عبارة «وَكَذلِك»، وإن كان للمفسرين آراء اُخرى في هذه العبارة لا تخلو من مناقشة. القرآن يؤكد أن المنهج الإِسلامي في كل أبعاده - لا في بعد القبلة فقط - يقوم على أساس التوازن والإعتدال. والهدف من ذلك ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهيِداً﴾. و«شهادة» الاُمّة المسلمة على النّاس، و«شهادة» النّبي على المسلمين، قد تكون إشارة إلى الأُسوة والقُدْوَةِ، لأن الشاهد يُنتخب من بين أزكى النّاس وأمثلهم. فيكون معنى هذا التعبير القرآني أن الاُمّة المسلمة نموذجيّة بما عندها من عقيدة ومنهج، كما أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرد نموذجيّ بين أبناء الاُمّة. الاُمّة المسلمة بعملها وبتطبيقها المنهج الإسلامي تشهد أن الإنسان بمقدوره أن يكون رجل دين ورجل دنيا... أن يكون إنساناً يعيش في خضم الأحداث الإِجتماعية وفق معايير روحية ومعنوية. الاُمّة المسلمة بمعتقداتها ومناهجها يتشهد بعدم وجود أي تناقض بين الدين والعلم، بل إن ك منهما يخدم الآخر. ثم تشير الآية إلى واحد آخر من أسرار تغيير القبلة فتقول: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾. الآية لم تقل: يتبعك، بل قالت: ﴿يَتَّبعُ الرَّسُولَ﴾ إشارة إلى أن هذا الإِتباع إنما هو تسليم لأمر الله، وكل اعتراض إنما هو عصيان وتمرد على الله، ولا يصدر ذلك إلاّ عن مشرك جاهلي. وعبارة ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ تعني في الأصل الرجوع على مؤخر الرجل، وتعني هنا الإنتكاس والتراجع. ثم تضيف الآية: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى الله﴾. لولا الهداية الإلهية، لما وجدت في نفس الإنسان روح التسليم المطلق أمام أوامر الله. المهم أن يكون الإنسان المسلم مستسلماً إلى درجة لا يحسّ معها بثقل مثل هذه الأوامر، بل يشعر بلذتها وحلاوتها. وأمام وسوسة الأعداء المضللين والأصدقاء الجاهلين، الذين راحوا يشككون في صحة ما سبق من العبادات قبل تغيير القبلة، تقول الآية: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾. فأوامر الله مثل وصفات الطبيب لكل مرحلة من مراحل العلاج نسخة خاصة، وكلها شافية وافية تضمن سعادة الإنسان وسلامته، والعمل بأجمعها صحيح لا غبار عليه. بحوث 1 - أسرار تغيير القبلة: تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة أثار لدى الجميع تساؤلات عديدة، أولئك الذين قالوا إن الأحكام ينبغي أن تبقى ثابتة راحوا يتساءلون عن سبب هذا التغيير، فلو كانت القبلة الصحيحة هي الكعبة، فلماذا لم يؤمر المسلمون بالصلاة نحوها منذ البدء، وإن كانت بيت المقدس فلِمَ هذا التغيير؟! وأعداء الإسلام وجدوا الفرصة سانحة لبث سمومهم ولإعلامهم المضّاد. يقالوا إن تغيير القبلة تمّ بدافع عنصري، وزعموا أن النّبي اتجه أوّ إلى قبلة الأنبياء السابقين، ثم عاد إلى قبلة قومه بعد تحقيق انتصاراته! وقالوا: إن محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد استعطاف أهل الكتاب بانتخابه بيت المقدس قبلة له، ولما يئس منهم استبدل الكعبة بها. واضح مدى القلق والاضطراب الذي تتركه هذه الوساوس على مجتمع لم يتغلغل نور العلم والإيمان في كل زواياه، ولم يتخلص بعد تماماً من رواسب الشرك والعصبية. لذلك تصرّح الآية أعلاه أن تغيير القبلة إختبار كبير لتمييز المؤمنين من المشركين. لا نستبعد أن يكون أحد أسباب تغيير القبلة مايلي: لما كانت الكعبة في بداية البعثة المباركة بيتاً لأصنام المشركين، فقد أُمر المسلمون مؤقتاً بالصلاة تجاه بيت المقدس، ليتحقّق الإنفصال التام بين الجبهة الإسلامية وجبهة المشركين. وبعد الهجرة وإقامة الدولة الإِسلامية والمجتمع الإِسلامي، حدث الإِنفصال الكامل بين الجبهتين، ولم تعد هناك ضرورة لاستمرار وضع القبلة، حينئذ عاد المسلمون إلى الكعبة أقدم قاعدة توحيدية، وأعرق مركز للأنبياء. ومن الطبيعي أن يستثقل الصلاة نحو بيت المقدس لأولئك الذين كانوا يعتبرون الكعبة الرصيد المعنوي لقوميتهم، وأن يستثقلوا أيضاً العودة إلى الكعبة بعد أن اعتادوا على قبلتهم الاُولى (بيت المقدس). المسلمون بهذا التحوّل وُضعوا في بوتقة الإختبار، لتخليصهم ممّا علّق في نفوسهم من آثار الشرك، ولتنقطع كل انشداداتهم بماضيهم المشرك، ولتنمو في وجودهم روح التسليم المطلق أمام أوامر الله سبحانه. إن الله سبحان ليس له مكان ومحل - كما ذكرنا - والقبلة رمز لوحدة صفوف المسلمين ولإحياء ذكريات خط التوحيد، وتغييرها لا يغيّر شيئاً، المهم هو الإِستسلام الكامل أمام الله، وكسر أوثان التعصب واللجاج والأنانية في النفوس. 2 - الاُمّة الوسط: «الوسط» ما توسط بين شيئين، وبمعنى الجميل والشريف، والمعنيان يعودان ظاهراً إلى حقيقة واحدة لأن الجمال والشرف فيما اعتدل وابتعد عن الإفراط والتفريط. ما أجمل التعبير القرآني عن الاُمّة المسلمة... الاُمّة الوسط. الوسط: المعتدلة في «العقيدة» لا تسلك طريق «الغلو» ولا طريق «التقصير والشرك»، لا تنحو منحى «الجبر» ولا «التفويض»، ولا تؤمن «بالتشبيه» في صفات الله ولا «بالتعطيل». معتدلة في «القيم المادية والمعنوية» لا تغطّ في عالم المادة وتنسى المعنويات، ولا تغرق في المعنويات وتتناسى الماديات. ليست كمعظم اليهود لا يفهمون سوى المادة، وليست كرهبان النصارى يتركون الدنيا تماماً. معتدلة في «الجانب العلمي»... لا ترفض الحقائق العلمية، ولا تقبل كل نعرة ترتفع باسم العلم. معتدلة في «الرّوابط الإجتماعية» لا تضرب حولها حصاراً يعزلها عن العالم، ولا تفقد استقلالها وتذوب في هذه الكتلة أو تلك، كما نرى الذائبين في الشرق والغرب اليوم! معتدلة في «الجانب الأخلاقي»... في عباداتها... في تفكيرها... وفي جميع أبعاد حياتها. المسلم الحقيقي لا يمكن إطلاقاً أن يكون إنساناً ذا بعد واحد، بل هو إنسان ذو أبعاد مختلفة... مفكر، مؤمن، عادل، مجاهد، مكافح، شجاع، عطوف، واع، فعّال، ذو سماح. عبارة الاُمّة الوسط توضّح من جانب مسألة شهادة الاُمّة الإسلامية، لأن من يقف على خطّ الوسط يستطيع أن يشهد كل الخطوط الإِنحرافية المتجهة نحو اليمين واليسار. ومن جانب آخر تحمل العبارة دليلها وتقول: «اِنَّمَا كُنْتُمْ شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ لأنَّكُمْ معتدلون وأنكم أمة وَسَط». 3 - الاُمّة الشاهدة: لواجتمعت الصفات التي ذكرناها للأُمّة الوسط في أُمّة، فهذه الاُمّة دون شك رائدة للحق، وشاهدة على الحقيقة، لأن مناهجها تشكل الميزان والمعيار لتمييز الحق عن الباطل. ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) قولهم: «نَحْنُ الاُمّة الْوُسْطى، وَنَحْنُ شُهَدَاءُ اللهِ عَلى خَلْقِهِ وَجُجَجُهُ فِي أَرْضِهِ... نَحْنُ الشُّهَداءُ عَلَى النَّاسِ... إلَيْنَا يَرْجِعُ الغَالي وَبِنَا يَْرجِعُ الْمُقَصّرُ» مثل هذه الروايات - كما ذكرنا - لا تحدد المفهوم الواسع للآية، بل تبين يالمصداق الأمثل للأُمّة الوسط، وتعطي نموذجاً متكام لها. 4 - علم الله: عبارة ﴿لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبعُ الرَّسُولَ...﴾ وأمثالها من التعبيرات القرآنية،لا تعني أن الله لم يكن يعلم شيئاً، ثم علم به بعد ذلك، بل تعني تحقّق هذه الواقعيات. بعبارة أوضح، الله سبحانه يعلم منذ الأزل بكل الحوادث والموجودات، وإن ظهرت بالتدريج على مسرح الوجود. فحدوث الموجودات والأحداث لا يزيد الله علماً، بل إن هذا الحدوث تحقّق لما كان في علم الله. وهذا يشبه علم المهندس بكل تفاصيل البناء عند وضعه التصميم. ثم يتحول التصميم إلى بناء عملي. والمهندس يقول حين ينفّذ تصميمه على الأرض: أريد أن أرى عملياً ما كان في علمي نظرياً. (علم الله يختلف دون شك عن علم البشر اختلافاً كبيراً كما ذكرنا ذلك في بحث صفات الله، وإنما ذكرنا هذا المثال للتوضيح). عبارة ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلاّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ﴾ توضح حقيقة الصعوبة في مخالفة العادة الجارية، وفي التخلص من سيطرة العواطف غير الصحيحة، إلاّ على الذين آمنوا بالله حقّاً، واستسلموا لأوامره. ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي كما جعلناكم مهتدين ﴿جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ عدولا أو خيارا وعنهم (عليهم السلام) نحن الأمة الوسط وإيانا عنى وفي قراءتهم أئمة ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ بأعمالهم المخالفة للحق في الدنيا والآخرة أو حجة عليهم تبينون لهم أو تشهدون للأنبياء على أممهم المنكرين لتبليغهم ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ بما عملتم أو حجة تبين لكم أو يشهد بعدالتكم وعديت شهادته بعلى لأنه كالرقيب عليهم ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا﴾ بيت المقدس ﴿إِلاَّ لِنَعْلَمَ﴾ نمتحن الناس فنميز ﴿مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ في الصلاة إليه ﴿مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ فيرتد لألفة بقبلة آبائه أو ليتعلق عليها به وجودا أو ليعلم أولياءه الرسول والمؤمنون وفي الولاية إشعار بأن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم وقيل المراد الكعبة أي ما رددناك إلى ما كنت عليها إلا لنعلم الثابت من المرتد لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلي بمكة إليها ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس ثم رد إليها بعد الهجرة ﴿وَإِن كَانَتْ أَنَّهُ﴾ التحويلة أو القبلة وإن مخففة ﴿لَكَبِيرَةً﴾ ثقيلة واللام فارقة ﴿إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ﴾ إلى الحكمة الثابتين على اتباع الرسول ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ صلاتكم نزلت حين قال المسلمون كيف حال من صلى إلى بيت المقدس ﴿إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ لا يضيع أعمالهم.