وبعد هذه الآيات يتحول الحديث من المنافقين ويتوجه إلى النّبي (ص) ويتبع أُسلول الإِستفهام الإِنكاري، فتقول الآية: (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات) (3) فإنّ هذه الأقوام كانت في الأزمان السالفة تسيطر على مناطق مهمّة من العالم، إلاّ أن كل فئة قد ابتليت بنوع من العقاب الإِلهي نتيجة لإِنحرافها وطغيانها وإجرامها، وفرارها من الحق والعدالة، وإِقدامها على الظلم والإِستبداد والفساد.
فقوم نوح عوقبوا بالطوفان والغرق، وقوم عاد (قوم هود) بالرياح العاصفة والرعب، وقوم ثمود (قوم صالح) بالزلازل والهدم والدمار، وقوم إبراهيم بسلب النعم، وأصحاب مدين (قوم شعيب) بالصواعق المحرقة، وقوم لوط بخسف المدن وفنائهم جميعاً.
ولم يبق من هؤلاء إلاّ الجثث الهامدة، والعظام النخرة تحت التراب أو في أعماق البحار.
إنّ هذه الحوادث المرعبة تهز وجدان وأحاسيس كل إنسان إذا امتلك أدنى إحساس وشعور عند مطالعتها وتحقيقها.
ورغم طغيان هؤلاء وتمردهم فانّ الله الرؤوف الرحيم لم يحرم هؤلاء من رحمته وعطفه لحظة، وقد أرسل إِليهم الرسل بالآيات البينات لهدايتهم وإنقاذهم من الضلالة إِذ (أتتهم رسلهم بالبينات) إلاّ أن هؤلاء لم يصغوا إِلى آية موعظة ولم يقبلوا نصيحة من أنبياء الله وأوليائه، ولم يقيموا وزناً لجهاد ومتاعب هؤلاء الأبرار وتحملهم كل المصاعب في سبيل هداية خلق الله، وإذا كان العقاب قد نالهم فلا يعني أن الله عزّوجلّ قد ظلمهم، بل هم ظلموا أنفسهم بما أجرموا فاستحقوا العذاب (فما كان الله ليظلمهم ولكن أنفسهم يظلمون).
﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أهلكوا بالغرق ﴿وَعَادٍ﴾ وقوم هود بالريح ﴿وَثَمُودَ﴾ وقوم صالح بالرجفة ﴿وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ﴾ بسلب النعم ونمرود ببعوض ﴿وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ﴾ قوم شعيب بعذاب يوم الظلمة ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتِ﴾ قرى قوم لوط ائتكفت بهم أي انقلبت ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالمعجزات الواضحة فكذبوهم فأهلكوا ﴿فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بإهلاكهم ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ إذ عرضوها للهلاك بكفرهم.