التّفسير:
صفات المؤمنين الحقيقيين:
مرّ في الآيات السابقة ذكر بعض الصفات المشتركة بين المنافقين، الرجال منهم والنساء، وتلخصت في خمس صفات: الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، والبخل وعدم الإِنفاق، ونسيان الله سبحانه وتعالى، ومخالفة وعصيان أوامر الله.
وتذكر هذه الآيات صفات وعلامات المؤمنين والمؤمنات، وتتلخص في خمس صفات أيضاً، فتقابل كل صفة منها صفة من صفات المنافقين، واحدة بواحدة، لكنّها في الإتجاه المعاكس.
وتشرع الآية بذكر صفات المؤمنين والمؤمنات، وتبدأ ببيان أنّ بعضهم لبعض ولي وصديق (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
إنّ أوّل ما يلفت النظر أن كلمة (أولياء) لم تُذكر أثناء الكلام عن المنافقين، بل ورد (بعضهم من بعض) التي توحي بوحدة الأهداف والصفات والأعمال، ولكنّها تشير ضمناً إِلى أن هؤلاء المنافقين وإن كانوا في صف واحد ظاهراً ويشتركون في البرامج والصفات، إلاّ أنهم يفتقدون روح المودة والولاية لبعضهم البعض، بل إنّهم إذا شعروا في أي وقت بأنّ منافعهم ومصالحهم الشخصية قد تعرضت للخطر فلا مانع لديهم من خيانة حتى أصدقائهم فضلا عن الغرباء، وإلى هذه الحالة تشير الآية (14) من سورة الحشر: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).
وبعد بيان هذه القاعدة الكلية، تشرع ببيان الصفات الجزئية للمؤمنين:
1 - ففي البداية تبيّن أن هؤلاء قوم يدعون الناس إلى الخيرات (يأمرون بالمعروف).
2 - إنّهم ينهون الناس عن الرذائل والمنكرات (وينهون عن المنكر).
3 - إنّهم بعكس المنافقين الذين كانوا قد نسوا الله، فإنّهم يقيمون الصلاة، ويذكرون الله فتحيا قلوبهم وتشرف عقولهم (ويقيمون الصلاة).
4 - إنّهم - على عكس المنافقين والذين كانوا يبخلون بأموالهم - ينفقون أموالهم في سبيل الله وفي مساعدة عباد الله وبناء المجتمع وإصلاح شؤونه، ويؤدون زكاة أموالهم (ويؤتون الزكاة).
5 - إنّ المنافقين فسّاق ومتمردون، وخارجون من دائرة الطاعة لأوامر الله، أمّا المؤمنون فهم على عكسهم تماماً، إذ (ويطيعون الله رسوله).
أمّا ختام الآية فإنّه يتحدث عن إمتيازات المؤمنين، والمكافأة والثواب الذي ينتظرهم، وأوّل ما تعرضت لبيانه هو الرحمة الإِلهية التي تنتظرهم فـ (أُولئك سيرحمهم الله).
إنّ كلمة (الرحمة) التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع، ويدخل ضمنه كل خير وبركة وسعادة، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته.
ولا شك أنّ وعد الله للمؤمنين قطعي ويقيني لأنّ الله قادر وحكيم، ولا يمكن للحكيم أن يعد بدون سبب، وليس الله القادر بعاجز عن الوفاء بوعده حين وعد (إنّ الله عزيز حكيم).
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ ذكروا في مقابلة أضدادهم المنافقين ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يمنع عما يريد ﴿حَكِيمٌ﴾ يضع كل شيء موضعه.