التّفسير
إعاقة المنافقين مرّة أُخرى:
يستمر الحديث في هذه الآيات حول تعريف المنافقين وأساليب عملهم وسلوكهم وأفكارهم ليعرفهم المسلمون جيداً، ولا يقعوا تحت تأثير وسائل إِعلامهم وخططهم الخبيثة وسمومهم.
في البداية تتحدث الآية عن هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك، وتعذروا بأعذار واهية كبيت العنكبوت، وفرحوا بالسلامة والجلوس في البيت بدل المخاطرة بأنفسهم والاشتراك في الحرب رغم أنّها مخالفة لأوامر الله ورسوله: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) وبدل أن يضعوا كل وجودهم وإمكاناتهم في سبيل الله لينالوا افتخار الجهاد وعنوان المجاهدين، فإنّهم امتنعوا (وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله).
إِلاّ أنّ هؤلاء النفر لم يكتفوا بتخلفهم وتركهم لهذا الواجب المهم، بل إنّهم سعوا في تحذيل الناس عن الجهاد بوساوسهم الشّيطانية ومحاولة إخماد جذوة الحماسة الملتهبة في صدور المسلمين وتشبث المنافقون بكل عذر يمكن أن يحقق الهدف حتى ولو كان العذر الحَرّ!!
(وقالوا لا تنفروا في الحرّ).
وفي الحقيقة إنّ هؤلاء كانوا يطمعون في أضعاف إِرادة المسلمين، ومن جهة أُخرى كانوا يحاولون سحب أكبر عدد ممكن إِلى مستنقع رذيلتهم، حتى لا ينفردوا بالجرم.
ثمّ تتغير وجهة الخطاب إِلى النّبي (ص) ، فيأمره الله سبحانه وتعالى أن يجيبهم بلهجة شديدة وأُسلوب قاطع: (قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون).
لكنّهم للأسف لضعف إِيمانهم، وعدم الإِدراك الكافي لا يعلمون آية نار تنتظرهم، فشرارة واحدة من تلك النّار أشدّ حرارة من جميع نيران الدّنيا وأشدّ حرقة وألماً.
﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ عن تبوك ﴿بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ﴾ بقعودهم خلفه أي بعده ﴿وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ إيثارا للراحة على طاعة الله ﴿وَقَالُواْ﴾ للمؤمنين تثبيطا أو بعضهم لبعض ﴿لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ وقد آثرتموها بهذه المخالفة ﴿لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ ما اختاروها.