التّفسير
في هذه الآية - ولمناسبة البحث هنا للأبحاث السابقة حول المنافقين الذين يتعذرون بكل عذر ويتمسكون بأتفه الحجج - إِشارة إِلى وضع وواقع مجموعتين من المتخلفين عن الجهاد:
الأُولى: وهم المعذورون فعلا في عدم مشاركتهم في القتال.
والثّانية: وهم المتخلفون عن أداء هذا الواجب الكبير تمرداً وعصياناً، وليس لهم أي عذر في تخلفهم هذا.
ففي البداية تقول الآية أنّ هؤلاء الأعراب رغم أنّهم كانوا معذورين في عدم الإِشتراك في الجهاد، فإنّهم حضروا بين يدي النّبي (ص) وطلبوا منه أن يأذن لهم في الجهاد: (وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم).
وفي مقابل ذلك فإن الفئة الأُخرى التي كذبت على الله ورسوله قد تخلف أفرادها دون أي عذر، (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله).
وفي النهاية هددت الآية المجموعة الثّانية تهديداً شديداً وأنذرتهم بأنّه (سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم).
إن ما قلناه في تفسير الآية المذكورة هو الأنسب للقرائن الموجودة، فإننا نرى من جهة أن هاتين الفئتين تقابل إحداهما الأُخرى، ومن جهة أُخرى فإنّ كلمة (منهم) تدل على أن أفراد المجموعتين لم يكونوا كفاراً بأجمعهم، ومن هاتين القرينتين يفهم أن (المعذرين) هم المعذورون حقيقة.
إلاّ أنّه قيل في مقابل هذا التّفسير تفسيران آخران:
الأوّل: إنّ المقصود من (المعذرين) هم الذين كانوا يتمسكون بالأعذار الواهية والكاذبة للفرار من الجهاد.
والمقصود من المجموعة الثّانية هم الذين لا يكلفون أنفسهم حتى مشقّة الإِعتذار، بل إنّهم يمتنعون علناً وبكل صراحة عن إطاعة أوامر الله عزّوجلّ.
الثّاني: إِنّ كلمة (المعذرين) تشمل كل الفئات التي تعتذر بأعذار ما عن الذهاب إِلى ميادين الحرب والجهاد، سواء كانت هذه الأعذار صادقة أم كاذبة.
إِلاّ أنّ القرائن تدل على أنّ (المعذرين) هم المعذورون الحقيقيون.
﴿وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ﴾ المقصرون من عذر أي قصر معتذرا لا عذر له أو المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت فتحتها إلى العين قيل هم من لهم عذر وهم نفر من بني غفار ﴿لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ في القعود لعذر باطل أو حق ﴿وَقَعَدَ﴾ لا لعذر أو لعذر باطل ﴿الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بادعاء الإيمان أو بعذرهم ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ القتل والنار.