لكلّ أُمّة قبلة:
هذه الآية الكريمة ترد على الضجة التي أثارها اليهود حول تغيير القبلة وتقول: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾.
كان للأنبياء على مرّ التاريخ وجهات عديدة يولونها، وليست القبلة كأصول الدين لا تقبل التغيير، ولا أمراً تكوينياً لا يمكن مخالفته، فلا تطيلوا الحديث في أمر القبلة، وبدل ذلك ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، لأن معيار القيمة الوجودية للإِنسان هي أعمال البرّ والخير.
مثل هذا المعنى تضمنته الآية 177 من هذه السّورة: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيّينَ﴾.
إن كنتم تريدون اختبار الإسلام أو المسلمين، فاختبروهم بهذه الاُمور لا بمسألة تغيير القبلة.
ثم تتغير لهجة الآية إلى نوع من التحذير والتهديد لأُولئك المفترين، والتشجيع للمحسنين فتقول: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ في تلك المحكمة الكبرى حيث يتلقى كلٌ جزاء عمله.
لا يتساوى المفترون والمشاغبون المخربون مع المحسنين المؤمنين، ولابدّ من يوم ينال كل فريق جزاءه.
وقد يخال بعض أن جمع النّاس لمثل هذا اليوم عجيب، فكيف تجتمع ذرات التراب المتناثرة لترتدي ثانية حلّة الحياة؟! لذلك تجيب الآية بالقول: ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾.
هذه العبارة الأخيرة في الآية بمثابة الدليل على العبارة السابقة: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَميِعاً﴾.
بحثان
1 - يوم يجتمع أصحاب المهدي (عليه السلام):
ورد عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَميعاً﴾أن المقصود بهم أصحاب المهدي (عليه السلام).
من ذلك ما ورد في «روضة الكافي» عن «الإمام الباقر» (عليه السلام) أنه تلا الفقرة المذكورة من الآية ثم قال: ي«يَعْني أَصْحَابَ الْقَائِمِ الثَلاثَمِائَة وَالبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُ، وَهُمْ وَاللهِ الأُمَّةُ الْمَعْدُودةُ، قَالَ: يَجْتَمِعُونَ وَاللهِ فِي سَاعَة وَاحِدَة قَزَعَ كَقَزَعِ الْخَرِيف».
وروي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أيضاً: «وَذَلِكَ وَاللهِ أَنْ لَوْ قَامَ قَائِمُنَا يَجْمَعُ اللهُ إلَيْهِ جَمِيعَ شِيعَتِنَا مِنْ جَمِيعِ الْبُلْدَانِ».
هذا التّفسير للآية دون شك يتحدث عن «بطن» الآية، والأحاديث ذكرت أن لكلام الله ظاهراً لعامة النّاس، وباطناً لخاصّتهم.
بعبارة اُخرى: هذه الروايات تشير إلى حقيقة، هي إن الله القادر على أن يجمع النّاس من ذرات التراب المتناثرة في يوم القيامة، لقادر على أن يجمع أصحاب المهدي في ساعة بسهولة، من أجل انقداح الشرارة الاُولى للثورة العالمية الرّامية إلى إقامة حكم الله على ظهر الارض، وإزالة الظلم والعدوان عن وجهها.
2 - عبارة ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾:
فسرناها سابقاً بأنها إشارة للقبلات المتعددة للأُمم.
ومن المفسرين من توسع في المعنى وقال إنّها تعبّر عن القضاء والقدر التكوينيين أيضاً (تأمل بدقة).
ولو خلت الآية ممّا يحيطها من قرائن قبلها وبعدها لأمكن مثل هذا التّفسير، لكن القرائن تدل على أن المراد هو المعنى الأوّل.
ولو افترضنا أن الآية تشير إلى المعنى الثّاني، فلا تعني إطلاقاً القضاء والقدر الجبريين، بل القضاء والقدر المنسجمين مع الإرادة والإختيار
﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ لكل أهل ملة قبلة أو لكل قوم من المسلمين جهة من الكعبة والتنوين للعوض ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ وجهة أو الله تعالى موليها إياه وقرىء مولاها أي مولى تلك الجهة ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ﴾ الطاعات ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ﴾ في أي موضع متم ﴿يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ﴾ إلى المحشر ﴿جَمِيعًا﴾ من موافق ومخالف مجتمع الأجزاء ومتفرقها وعنهم (عليهم السلام) أنها في أصحاب القائم يفقدون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه جمعكم.