لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول قال بعض المفسّرين: إِنّ فريقاً من المسلمين ماتوا قبل نزول الفرائض والواجبات وتشريعها، فجاء جماعة إِلى النّبي (ص) وأظهروا قلقهم على مصير هؤلاء - وكانوا يظنون أن هؤلاء ربّما سينالهم العقاب الإِلهي لعدم أدائهم الفرائض، فنزلت الآية ونفت هذا التصور (1). وقال بعض الآخر من المفسّرين: إنّ هذه الآية نزلت في مسألة استغفار المسلمين للمشركين، وإظهارهم محبّتهم لهم قبل النهي الصريح الوارد في الآيات السابقة، لأنّ هذه المسألة كانت باعثاً لقلق المسلمين، فنزلت الآية وطمأنتهم إلى أنّ استغفارهم قبل الني لا يوجب حسابهم ومعاقبتهم. التّفسير العقاب بعد البيان: إِن الآية الأُولى تشير إِلى قانون كلّي وعام، يؤيده العقل أيضاً، وهو أنّ الله سبحانه وتعالى مادام لم يبيّن حكماً، ولم يصل شيء من الشرع حوله، فإنّه تعالى سوف لا يحاسب عليه أحداً، وبتعبير آخر: فإنّ التكليف والمسؤولية تقع دائماً بعد بيان الأحكام، وهذا هو الذي يعبر عنه في علم الاصول بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان). ولذلك فأوّل ما تطالعنا به الآية قوله: (وما كان الله ليضل قوماً بعد إِذ هداهم حتى يبيّن لهم مايتقون). إِنّ المقصود من (يضل) - في الأصل الإِضلال والتضييع، أو الحكم بالإِضلال - كما احتمله بعض المفسّرين (كما يقال في التعديل والتفسيق، أي الحكم بعدالة الشخص وفسقه) (2) أو بمعنى الإِضلال من طريق الثواب يوم القيامة، وهو في الواقع بمعنى العقاب. أو أنّ المقصود من "الإِضلال" ماقلناه سابقاً، وهو سلب نعمة التوفيق، وإِيكال الإِنسان إِلى نفسه، ونتيجة ذلك هو الضياع والحيرة والإِنحراف عن طريق الهداية لا محالة، وهذا التعبير إِشارة خفية ولطيفة إِلى حقيقة ثابتة، وهي أنّ الذّنوب دائماً هي مصدر وسبب الضلال والضياع والإِبتعاد عن طريق الرشاد (3). وأخيراً تقول الآية: (إِنّ الله بكل شيء عليم) أي إِن علم الله يحتم ويؤكّد على أنّ الله سبحانه مادام لم يبيّن الحكم الشرعي لعباده، فإنّه سوف لايؤاخذهم أو يسألهم عنه. جواب سؤال: يتصور بعض المفسّرين والمحدّثين أنّ الآية دليل على أن "المستقلات العقلية" - (وهي الأُمور التي يدركها الإِنسان عن طريق العقل لا عن طريق حكم الشرع، كإِدراك قبح الظلم وحسن العدل، أو سوء الكذب والسرقة والإِعتداء وقتل النفس وأمثال ذلك) - مادام الشرع لم يبيّنها، فإن أحداً غير مسؤول عنها. وبتعبير آخر فإنّ كل الأحكام العقلية يجب أن تؤيد من قبل الشرع لايجاد التكليف والمسؤولية على الناس، وعلى هذا فإنّ الناس قبل نزول الشرع غير مسؤولين مطلقاً، حتى في مقابل المستقلات العقلية. إِلاّ أنّ بطلان هذا التصور واضح، فإِنّ جملة (حتى يبيّن لهم) تجيبهم وتبيّن لهم أنّ هذه الآية وأمثالها خاصّة بالمسائل التي بقيت في حيز الإِبهام وتحتاج إِلى التّبيين والإِيضاح، ومن المسلّم أنّها لاتشمل المستقلات العقلية، لأنّ قبح الظلم وحسن العدل ليس أمراً مبهماً حتى يحتاج إِلى توضيح. الذين يذهبون إِلى هذا القول غفلوا عن أن هذا القول - إِن صحّ - فلا وجه لوجوب تلبية دعوة الأنبياء، ولا مبرر لأن يطالعوا ويحققوا دعوى مدعي النّبوة ومعجزاته حتى يتبيّن لهم صدقه أو كذبه، لأنّ صدق النّبي والحكم الإِلهي لم يُبيّن لحد الآن لهؤلاء، وعلى هذا فلا داعي للتحقق من دعواه. وعلى هذا فكما يجب التثبت من دعوى من يدعي النّبوة بحكم العقل، وهو من المستقلات العقلية، فكذلك يجب اتباع سائر المسائل التي يدركها العقل بوضوح. والدليل على هذا الكلام التعبير المستفاد من بعض الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) ، ففي كتاب التوحيد، عن الصادق (ع) أنّه قال في تفسير هذه الآية: "حتى يُعَرِّفَهم مايرضيه وما يسخطه" (4). وعلى كل حال، فإنّ هذه الآية وأمثالها تعتبر أساساً لقانون كلّي أُصولي، وهو أننا ما دمنا لا نملك الدليل على وجوب أو حرمة شيء، فإنّنا غير مسؤولين عنه، وبتعبير آخر فإنّ كل شيء مباح لنا، إلاّ أن يقوم دليل على وجوبه أو تحريمه، وهو ما يسمونه بـ (أصل البراءة). ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا﴾ يحكم بضلالهم ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه ﴿إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيعلم حالهم.