التّفسير
معاناة المجاهدين لا تبقى بدون ثواب:
كان البحث في الآيات السابقة حول توبيخ وملامة الممتنعين عن الإِشتراك في غزوة تبوك، وتبحث هاتان الآيتان البحث النهائي لهذا الموضوع كقانون كلّي.
فالآية الأُولى تقول: (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) لأنّه قائد الأُمّة، ورسول الله، ورمز بقاء وحياة الأُمّة الإِسلامية، وإِن تركه وحيداً لا يعرض حياة رسول الله (ص) للخطر فحسب، بل يعرّض دين الله، وكذلك وجود وحياة المؤمنين أيضاً أمام الخطر الجدي.
إِنّ القرآن - في الواقع - يرغّب كل المؤمنين بملازمة النّبي (ص) وحمايته والدفاع عنه في مقابل كل الأخطار والعقبات باستعمال نوع من البيان والتعبير العاطفي، فهو يقول: إِنّ أرواحكم ليست بأعزّ من روح النّبي (ص) وحياتكم ليست بأفضل من حياته، فهل يسمح لكم إِيمانكم أن تدعو النّبي (ص) يواجه الخطر وهو أفضل وأعز موجود إِنساني، وقد بُعث لنجاتكم وقيادتكم نحو الهدى وتستثقلون التضحية في سبيله حفاظاً على أرواحكم وسلامتكم؟!
من البديهي أنّ التأكيد على أهل المدينة وأطرافها إِنّما هو لأنّ المدينة كانت مقرّ الإِسلام يومئذ ومركزه المشع، وإِلاّ فإنّ هذا الحكم غير مختص بالمدينة وأطرافها، وغير مختص بالنّبي (ص) ، فإنّ واجب كل المسلمين، وفي جميع العصور أن يحترموا ويكرموا قادتهم كأنفسهم، بل أكثر، ويبذلون قصارى جهدهم في سبيل الحفاظ عليهم، ولا يتركوهم يواجهون الصعاب والأخطار وحدهم، لأنّ الخطر الذي يحدق بهؤلاء يحدق بالأُمّة جميعاً.
ثمّ تشير الآية إِلى مكافآت المجاهدين المعدة مقابل كل صعوبة يلاقونها في طريق الجهاد، وتذكر سبعة أقسام من هذه المشاكل والصعاب وثوابها، فتقول: (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظماً ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤؤن موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إِلاّ كتب لهم به عمل صالح) ، ومن المحتم أنّهم سيقبضون جوائزهم من الله سبحانه، واحدة بواحدة، فـ (إِنّ الله لا يضيع أجر المحسنين).
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ﴾ إذا غزا، نفي معناه النهي ﴿وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ بأن يطلبوا لها الدعة وهو يكابد المشاق ﴿ذَلِكَ﴾ النهي عن التخلف ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ عطش ﴿وَلاَ نَصَبٌ﴾ تعب ﴿وَلاَ مَخْمَصَةٌ﴾ جوع ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً﴾ قتلا أو قهرا ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ يستحقون عليه الثواب ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي أجرهم، وفيه حث على الجهاد وأعمال الخير.