لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير قتال الاقرب فالاقرب: أشارت الآية في سياق احكام الجهاد التي ذكرت لحد الآن في هذه السورة - إلى أمرين آخرين في هذا الموضوع الإِسلامي المهم، فوجهت الخطاب أوّلا إِلى المؤمنين وقالت: (يا أيّها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار). صحيح أنّه تجب محاربة الكفار جميعاً، ولا فرق بينهم في ذلك، إلاّ أنّه من الوجهة التكتيكية وطريقة القتال يجب البدء بالعدو الأقرب، لأنّ خطر العدوّ القريب أكبر، كما أنّ الدعوة للإِسلام وهداية الناس إِلى دين الحق يجب أن تبدأ من الأقرب، والنّبي (ص) قد بدأ بأمر الله سبحانه بدعوة أقاربه وعشيرته، ثمّ دعا أهل مكّة. ثمّ جزيرة العرب وقام بإِرسال الرسل إِليها، وبعدها كتب الرسائل إِلى ملوك العالم، ولاشك أن هذا الأسلوب هو الأقرب للنجاح والوصول إِلى الهدف. ومن الطبيعي أن لكل قانون استثناء، فقد يكون العدو الأبعد - في بعض الأحيان - أشد خطراً من العدو القريب، وعندها تجب المبادرة إِلى دفعه أوّلا، لكن، كما قلنا، فإِن هذا استثناء لا قانون ثابت ودائم. وأمّا ما قلناه من أنّ المبادرة إِلى مجابهة العدو الأقرب هي الأهم والأوجب. فإِنّ أسبابه واضحة، وذلك: أوّلا: إِنّ خطر العدو القريب أكبر وأشد من العدو البعيد. ثانياً: إِنّ اطلاعنا وعلمنا بالعدو القريب أكثر، وهذا من العوامل المساعدة والمقربة للنصر. ثالثاً: إِنّ التوجه لمحاربة العدو البعيد لا يخلو من خطورة اضافية، فالعدو القريب قد يستغل الفرصة ويحمل على الجيش من الخلف، أو يستغل خلو المقر الأصلي للإِسلام فيهجم عليه. رابعاً: إِنّ الوسائل اللازمة ونفقات محاربة العدوّ القريب أقل وأبسط، والتسلط على ساحة الحرب في ظل ذلك أسهل. لهذه الأسباب وأسباب أُخرى، فإِنّ دفع العدو الأقرب هو الأوجب والأهم. والجدير بالذكر أنّ هذه الآية لما نزلت كان الإِسلام قد استولى على كل جزيرة العرب تقريباً، وعلى هذا فإِن أقرب عدو في ذلك اليوم ربّما كان أمبراطورية الروم الشرقية التي توجه المسلمون إِلى تبوك لمحاربتها. وكذلك يجب أن لا ننسى أنّ هذه الآية بالرغم من أنّها تتحدث عن العمل المسلح والبعد المكاني، إلاّ أنّه ليس من المستبعد أن روح الآية حاكمة في الأعمال المنطقية والفواصل المعنوية، أي إِنّ المسلمين عندما يعزمون على المجابهة المنطقية والإِعلامية والتبليغية يجب أن يبدؤوا بمن يكون أقرب إِلى المجتمع الإِسلامي وأشدّ خطراً عليه، فمثلا في عصرنا الحاضر نرى أن خطر الإِلحاد والمادية يهدد كل المجتمعات، فيجب تقديم التصدّي لها على مواجهة المذاهب الباطلة الأُخرى، وهذا لا يعني نسيان هؤلاء، بل يجب اعطاء الأهمية القصوى للهجوم نحو الفئة الأخطر، وهكذا في مواجهة الإِستعمار الفكري والسياسي والإِقتصادي التي تحوز الدرجة الأُولى من الأهمية. والأمر الثّاني فيما يتعلق بالجهاد في الآية، هو اسلوب الحزم والشدّة، فهي تقول: إِن العدو يجب أن يلمس في المسلمين نوعاً من الخشونة والشدّة: (وليجدوا فيكم غلظة) وهي تشير إِلى أنّ الشجاعة والشهامة الداخلية والإِستعداد النفسي لمقابلة العدو ومحاربته ليست كافية بمفردها، بل يجب اظهار هذا الحزم والصلابة للعدو ليعلم أنّكم على درجة عالية من المعنويات، وهذا بنفسه سيؤدي إِلى هزيمتهم وانهيار معنوياتهم. وبعبارة أُخرى فإِنّ امتلاك القدرة ليس كافياً، بل يجب استعراض هذه القوّة أمام العدو. ولهذا نقرأ في تأريخ الإِسلام أنّ المسلمين عندما أتوا إِلى مكّة لزيارة بيت الله، أمرهم رسول الله (ص) أن يسرعوا في طوافهم، بل أن يعدوا ويركضوا ليرى العدو - الذي كان يراقبهم عن كتُب - قوتهم وسرعتهم ولياقتهم البدنية. وكذلك نقرأ في قصّة فتح مكّة أنّ النّبي (ص) أمر المسلمين في الليل أن يشعلوا نيراناً في الصحراء ليعرف أهل مكّة عظمة جيش الإِسلام، وقد أثر هذا العمل في معنوياتهم. وكذلك أمر أن يُجعل أبوسفيان كبير مكّة في زواية ويستعرض جيش الإِسلام العظيم قواته أمامه. وفي النهاية تبشر الآية المسلمين بالنصر من خلال هذه العبارة: (واعلموا أنّ الله مع المتقين) ويمكن أن يشير هذا التعبير - إِضافةً لما قيل - إِلى أن استعمال الشدّة والخشونة يجب أن يقترن بالتقوى، ولا يتعدى الحدود الإِنسانية في أي حال. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ أي الأقرب منهم فالأقرب دارا ونسبأ ﴿وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ شدة أي اغلظوا عليهم ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بعونه ونصره.