وحين أرِدُ عرصات يوم القيامة اعلقّ حبل رجائي على كرمه: (والذي أطمع أن يغفرلي خطيئتي يوم الدين).
وممّا لا شك فيه أن الأنبياء معصومون من الذنب، وليس عليهم وزر كي يُغفر لهم... إلاّ أنّه - كما قلنا سابقاً - قد تعدّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين أحياناً، وقد يستغفرون أحياناً من عمل صالح لأنّهم تركوا خيراً منه... فيقال عندئذ في حق أحدهم: تَركَ الأَولى.
فإبراهيم(ع) لا يعوّل على أعماله الصالحة، فهي لا شيء بإزاء كرم الله، ولا تُقاس بنعم الله المتواترة، بل يعوّل على لطف الله فحسب، وهذه هي آخر مرحلة من مراحل الإنقطاع إلى الله!...
وملخّص الكلام أن إبراهيم(ع) من أجّلِ أن يبيّن المعبود الحقيقي يمضي نحو خالقيّة الله أولا، ثمّ يبيّن بجلاء مقام ربوبيته في جميع المراحل:
فالمرحلة الأُولى مرحلة الهداية.
ثمّ مرحلة النعم الماديّة، وهي أعمّ من إيجاد المقتضي والظروف الملائمة أو دفع الموانع...
والمرحلة الأخيرة هي مرحلة الحياة الدائمة في الدار الأُخرى، فهناك يتجلَّى وجه الرب بالهبات والصفح عن الذنوب ومغفرتها!...
وهكذا يبطل إبراهيم الخرافات التي كانت في قومه، من تعدد الآلهة والأرباب وينحني خضوعاً للخالق العظيم.
﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ قاله تواضعا لله وهضما لنفسه إذ لا خطيئة له.