ثمّ تشير الآية إلى الموقف الإنكاري لهؤلاء في مقابل الآيات الإلهية، فتقول: (وإذا ما أُنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض).
إنّ خوف هؤلاء وقلقهم ناشي، من أنّ تلك السورة تتضمن فضيحة جديدة لهم، أو لأنّهم لا يفهمون منها شيئاً لعمى قلوبهم، والإِنسان عدو ما يجهل.
وعلى كل حال، فإِنّهم كانوا يخرجون من المسجد حتى لا يسمعوا هذه الأنغام الإِلهية، إلاّ أنّهم كانوا يخشون أن يراهم أحد حين خروجهم، ولذلك كان أحدهم يهمس في أذن صاحبه ويسأله: (هل يراكم من أحد) ؟
وإِذا ما أطمأنوا إِلى أن الناس منشغلون بسماع كلام النّبي (ص) وغير ملتفتين إِليهم خرجوا: (ثمّ انصرفوا).
إنّ جملة (هل يراكم من أحد) ، كانوا يقولونها إمّا بألسنتهم، أو بإشارة العيون، في حين أن الجملة الثّانية (نظر بعضهم إلى بعض) تبيّن أمراً واحداً هو نفس ما عينته الجملة الأُولى، وفي الحقيقة فإنّ (هل يراكم أحد) تفسير لنظر بعضهم إلى البعض الآخر.
وتطرقت الآية في الختام إِلى ذكر علة هذا الموضوع فقالت: إِنّ هؤلاء إِنّما لا يريدون سماع كلمات الله سبحانه ولايرتاحون لذلك لأنّ قلوبهم قد حاقت بها الظلمات لعنادهم ومعاصيهم فصرفها الله سبحانه عن الحق، وأصبحوا أعداءً للحق لأنّهم أناس جاهلون لافكر لهم: (صرف الله قلوبهم بأنّهم قوم لايفقهون).
وقد ذكر المفسّرون لقوله تعالى: (صرف الله قلوبهم) احتمالين:
الأوّل: إِنّها جملة خبرية.
كما فسرناها قبل قليل.
الثّاني: إِنّها جملة إِنشائية، ويكون معناها اللعنة، أي إِنّ الله سبحانه يصرف قلوب هؤلاء عن الحق.
إلاّ أن الإِحتمال الأوّل هو الأقرب كما يبدو.
﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ فيها ذكرهم ﴿نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ تغامزا يريدون الهرب يقولون إشارة ﴿هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ إن قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا ﴿ثُمَّ انصَرَفُواْ﴾ عن المجلس خوف الفضيحة ﴿صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم﴾ عن رحمته خيرا ودعاء ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون﴾ بسبب عدم تدبرهم.