لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير: آخر آيات القرآن المجيد: إِنّ هذه الآيات برأي بعض المفسّرين، هي آخر الآيات التي نزلت على النّبي (ص) ، وبها تنتهي سورة براءة، فهي في الواقع إِشارة إِلى كل المسائل التي مرّت في هذه السورة، لأنّها تبيّن من جهة لجميع الناس، سواء المؤمنون منهم أم الكافرون والمنافقون، أنّ جميع الضغوط والتكاليف التي فرضها النّبي (ص) والقرآن الكريم، والتي ذكرت نماذج منها في هذه السورة، كانت كلها بسبب عشق النّبي (ص) لهداية الناس وتربيتهم وتكاملهم. ومن جهة أُخرى فإِنّها تخبر النّبي (ص) أن لا يقلق ولا يتحرق لعصيان وتمرد الناس، والذي ذكرت منه - أيضاً - نماذج كثيرة في هذه السورة، وليعلم أنّ الله سبحانه حافظه ومعينه على كل حال. ومن هنا فإِنّ خطاب الآية الأُولى موجه للناس، فهي تقول: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) ، خاصّة وأنّه قد وردت لفظة (من أنفسكم) بدل (منكم) ، وهي تشير إِلى شدة إرتباط النّبي (ص) بالناس، حتى كأنّ قطعة من روح الناس والمجتمع قد ظهرت بشكل النّبي (ص). ولهذا السبب فإِنّه يعلم كل آلامهم، ومطلع على مشاكلهم، وشريكهم في غمومهم وهمومهم، وبالتالي لايمكن أن يُتصور صدور كلام منه إلاّ في مصلحتهم، ولا يخطو خطوة إلاّ في سبيلهم، وهذا في الواقع أوّل وصف للنّبي (ص) ذكر في هذه الآية. ومن العجيب أنّ جماعة من المفسّرين الذين وقعوا تحت تأثير العصبية القومية والعربية قالوا: إِنّ المخاطب في هذه الآية هم العرب! أي أنّ النّبي (ص) قد جاءكم من هذا الأصل!. إِنّنا نعتقد أن هذا هو أسوأ تفسير ذكر لهذه الآية، لأنا نعلم أنّ الشيء الذي لم يجر له ذكر في القرآن الكريم هو مسألة الأصل والعرق، ففي كل مكان تبدأ خطابات القرآن بـ (يا أيّها الناس) و (يا أيّها الذين آمنوا) وأمثالها، ولايوجد في أي مورد "يا أيّها العرب" و "يا قريش" وأمثال ذلك. إِضافة الى أنّ ذيل الآية الذي يقول: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) ينفي هذا التّفسير بوضوح، لأنّ الكلام فيه عن كل المؤمنين، من أي قومية أو عرق كانوا. وممّا يثير الأسف أنّ بعض العلماء المتعصبين قد حجّموا عالمية القرآن وعموميته لكل البشر، وحاولوا حصره في حدود القومية والعرق المحدودة. وعلى كل حال، فبعد ذكر هذه الصفة (من أنفسكم) أشارت الآية إِلى أربع صفات أُخرى من صفات النّبي (ص) السامية، والتي لها الأثر العميق في إِثارة عواطف الناس وجلب انتباههم وتحريك أحاسيسهم. ففي البداية تقول: (عزيز عليه ماعنتم) أي أن الأمر لاينتهي في أنّه لا يفرح لأذاكم ومصاعبكم، بل إِنّه لايقف موقف المتفرج تجاه هذا الأذى، فهو يتألم لألمكم، وإِذا كان يصرّ على هدايتكم ويتحمل الحروب المضنية الرهيبة، فإِنّ ذلك لنجاتكم أيضاً، ولتخليصكم من قبضة الظلم والإِستبداد والمعاصي والتعاسة. ثمّ تضيف أنّه (حريص عليكم) ويتحمس لهدايتكم. "الحرص" في اللغة بمعنى قوة وشدة العلاقة بالشيء، واللطيف هنا أن الآية أطلقت القول وقالت: (حريص عليكم) فلم يرد حديث عن الهداية، ولا عن أي شيء آخر، وهي تشير إِلى عشقه (ص) لكل خير وسعادة ورقي لكم. وكما يقال: إِن حذف المتعلق دليل على العموم. وعلى هذا، فإنّه إذا دعاكم وسار بكم إلى ساحات الجهاد المريرة، وإذا شدّد النكير على المنافقين، فإِنّ كل ذلك من أجل عشقه لحريتكم وشرفكم وعزتكم. وهدايتكم وتطهير مجتمعكم. ثمّ تشير إِلى الصفتين الثّالثة والرّابعة وتقول: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) وعلى هذا فإِنّ كل الأوامر الصعبة التي يصدرها، (حتى المسير عبر الصحاري المحرقة في فصل الصيف المقرون بالجوع والعطش لمواجهة عدو قوي في غزوة تبوك) فإِنّ ذلك نوع من محبته ولطفه. وهناك بحث بين المفسّرين في الفرق بين "الرؤوف" و "الرحيم"، إلاّ أنّ الذي يبدو أن أفضل تفسير لهما هو أنّ الرؤوف إِشارة إِلى محبّة خاصّة في حقّ المطيعين، في حين أنّ الرحيم إِشارة إِلى الرحمة تجاه العاصين، إلاّ أنّه يجب أن لا يغفل عن أن هاتين الكلمتين عندما تفصلان يمكن أن تستعملا في معنى واحد، أمّا إِذا اجتمعتا فتعطيان معنى مختلفاً أحياناً. ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ عربي من ولد إسماعيل وقرىء بفتح الفاء أي أشرفكم ﴿عَزِيزٌ﴾ شديد ﴿عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ عنتكم أي مشقتكم ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ أن تؤمنوا ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.