التّفسير
الهمج الرّعاع:
الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول عقاب المسيئين، فتقول الآية الأُولى بأنّ الله سبحانه إِذا جازى المسيئين على أعمالهم بنفس العجلة التي يجب بها هؤلاء تحصيل النعم والخير، فستنتهي أعمار الجميع ولا يبقى لهم أثر: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إِليهم أجلهم).
إلاّ أنّ لطف الله سبحانه لما كان شاملا لجميع العباد، حتى المسيئين والكافرين والمشركين، فلا يمكن أن يعجل بعذابهم وجزائهم لعلهم يعون ويتوبون، ويرجعون عن الضلال إِلى الحق والهدى.
هذا إِضافةً إِلى أنّ الجزاء إِذا ما تمّ بهذه السرعة فإِنّه يعني زوال حالة الإِختبار التي هي أساس التكليف تقريباً، وستتصف طاعة المطيعين بالجبر والإِضطرار، لأنّهم بمجرّد أن يعصوا فسيلاقون جزاءهم الأليم فوراً.
واحتُمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ جماعة من الكفار العنودين، الذين تحدث القرآن عنهم مراراً، كانوا يقولون للأنبياء: إِذا كان ما تقولونه حقّاً، فادعوا الله أن ينزل عليناً البلاء، فاذا استجاب الله تعالى دعوة هؤلاء ما كان ليبقى من هؤلاء أحد.
لكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل هو الأقرب.
وفي الختام تقول الآية: يكفي عقاباً لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم، فلا هم يميزون الحق من الباطل، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم: (فنذر الذين لايرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون).
﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ﴾ إذا دعوا على أنفسهم وأولادهم ضجرا ﴿اسْتِعْجَالَهُم﴾ أي كتعجيله لهم ﴿بِالْخَيْرِ﴾ إذا استعجلوه ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ أي لأهلكوا ولكن يمهلهم ﴿فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا﴾ لا يتوقعون البعث ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ يتحيرون.