التّفسير
مشهد من قيامة عبدة الأوثان:
تتابع هذه الآيات أيضاً البحوث السابقة حول المبدأ والمعاد ووضع المشركين، وتجسم حيرة وانقطاع هؤلاء عند حضورهم في محكمة العدل الإِلهي، ووقوفهم بين يدي الله لمحاسبتهم.
فتقول أوّلا: (ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم) (1).
واللطيف أنّ الآية أعلاه قد عبّرت عن الأصنام بشركائكم، في حين أنّ المشركين كانوا قد جعلوا الأصنام شريكة لله، لاشريكة أنفسهم.
إِنّ هذا التعبير في الحقيقة إِشارة لطيفة إِلى أن الأصنام لم تكن شريكة لله، وأن أوهام وتخيلات عبدة الأوثان هي التي أعطتها هذا المقام، وهذا يشبه تماماً ما لو عيّن المشرف على التعليم معلماً أو مديراً غير صالح لمدرسة ما، صدرت ومنهما أعمال قبيحة وغير لائقة.
فتقول للمشرف: تعال وانظر، هذا معلمك وهذا مديرك يرتكبان مثل هذه الاعمال، في حين أنّه ليس معلمه ولامديره، بل معلم المدرسة ومديرها الذي اختارهما.
ثمّ تضيف: أنّنا سوف نعزل هاتين الفئتين - أي العابدون والمعبودون - عن بعضهم البعض، ونسأل كلا منهما على انفراد، تماماً كما هو المتداول في كل المحاكم حيث يسأل كل واحد على انفراد، فنسأل العابدين: بأي دليل جعلتم هذه الأصنام شريكة لله وعبدتموها؟
ونسأل المعبودين: لماذا أصبحتم معبودين؟
أو لماذا رضيتم بهذا العمل؟
(فزيلنا بينهم) (2).
في هذه الأثناء ينطق الشركاء الذين صنعتهم أوهام هؤلاء: (وقال شركاؤهم ما كنتم إِيانا تعبدون) فأنتم في الواقع كنتم تعبدون أهواءكم وميولكم وأوهامكم، لا أنّكم كنتم تعبدوننا، ولو سلمّنا ذلك فإِنّ عبادتكم لنا لم تكن بأمرنا ولا برضانا، والعبادة كهذه ليست بعبادة في الحقيقة
﴿وَيَوْمَ﴾ واذكر يوم ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾ أي الخلق ﴿جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ﴾ الزموا مكانكم ﴿أَنتُمْ﴾ تأكيد للضمير ليعطف عليه ﴿وَشُرَكَآؤُكُمْ﴾ أي الأصنام ﴿فَزَيَّلْنَا﴾ قطعنا المواصلة ﴿بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾ بل عبدتم أهواءكم أو ما شعرنا بعبادتكم لنا، وقيل الشركاء الشياطين، وقيل الملائكة.