لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي الآية التالية إِشارة إِلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين، فتقول: إِنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإِشكالات والإِيرادات، بل إِن تكذيبهم وإِنكارهم إِنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه). في الواقع، إِنّ سبب إِنكارهم هو جهلهم وعدم اطلاعهم، لكن المفسّرين احتملوا احتمالات متعددة فيما هو المقصود من هذه الجملة وأن الجهل بأي الأُمور كان، وكان تلك الإحتمالات يمكن أن تكون مقصودة من الجملة: الجهل بالمعارف الدينية والمبداً والمعاد، كما ينقل القرآن قول المشركين في شأن المعبود الحقيقي (الله) ، حيث كانوا يقولون: (أجعل الآلهة إِلهاً واحداً إِن هذا لشيء عجاب) (3). أو أنّهم كانوا يقولون في مسألة المعاد: (أئذا كنّا عظاماً ورفاتاً ءأنا لمبعوثون خلقاً جديداً) (4) ، (هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كلّ ممزق إنّكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جنة) (5). في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أي دليل على نفي المبدأ والمعاد، وكان الجهل والتخلف الناشىء من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هو السد الوحيد في طريقهم. أو الجهل بأسرار الأحكام. أو الجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة. أو الجهل بمعنى الحروف المقطعة. أو الجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين. إِن مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإِنكار والتكذيب، في حين أن تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد (ولما يأتهم تأويله). "التأويل" في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أو قول يصل إِلى هدفه النهائي نقول عنه: إِن تأويله قد حان وقته، ولهذا يطلق على بيان الهدف الأصلي من إِقدام معين، أو التّفسير الواقعي لكلمة ما، أو تفسير وإِعطاء نتيجة الرؤيا، أو تحقق فرضية في ارض الواقع، اسم التأويل. وقد تحدثنا بصورة مفصلة حول هذا الموضوع في المجلد الثّاني ذيل الآية (رقم 7) من سورة آل عمران. ثمّ يضيف القرآن مبيناً أن هذا المنهج الزائف لاينحصر بمشركي عصر الجاهلية، بل إِنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضاً بهذه المسألة، فإِنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع، أو انتظار تحققه: (كذلك كذب الذين من قبلهم). وقد مرت الإِشارة أيضاً في الآيات (113) و (118) من سورة البقرة إِلى وضع الأمم السابقة من هذه الناحية. الواقع، إِنّ عذر هؤلاء جميعاً كان جهلهم ورغبتهم عن التحقيق والبحث في الحقائق الواقعية، في حين أن العقل والمنطق يحكمان بأنّه لاينبغي للانسان انكار ما يجهله مطلقاً، بل يبدأ بالبحث والتحقيق. وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إِلى النّبي (ص) وقالت: (فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) أي إِنّ هؤلاء سيلاقون أيضاً نفس المصير. وأشارت الآية الأخيرة من آيات البحث إِلى فئتين عظيمتين من المشركين، فتقول: إِنّ هؤلاء لايبقون جميعاً على هذا الحال، بل إِنّ جماعة منهم لم تخمد فيهم روح البحث عن الحق وطلبه وسيؤمنون بالقرآن في النهاية. في حين أن الفئة الأُخرى ستبقى في عنادها وإِصرارها وجهلها، وسوف لا تؤمن أبداً: (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به). ومن الواضح أنّ أفراد الفئة الثّانية فاسدون ومفسدون، ولذلك قالت الآية في النهاية: (وربّك أعلم بالمفسدين) وهي إِشارة إِلى أن الذين لا يذعنون للحق، هم أفراد يسعون لحل عرى المجتمع، ولهم دور مهم في إِفساده. الجهل والإِنكار: كما يستفاد من الآيات أعلاه أنّ قسماً مهمّاً من مخالفة الحق ومحاربته تنبع عادة من الجهل، ولهذا السبب قالوا: عاقبة الجهل الكفر! إِنّ أوّل مهمّة تقع على عاتق كل إِنسان يطلب الحق أن يتريت في مقابل ما يجهل، يتحرك صوب البحث ثمّ وتحقيق كل جوانب المطلب الذي يجهله، وما لم يحصل على الدليل القاطع على بطلانه فلا ينبغي له رفضه، كما أنّه لا ينبغي له قبوله والاعتقاد به إِذا لم يحصل لديه دليل قاطع على صحته نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان حديثاً رائعاً عن الإِمام الصادق (ع) في هذا الباب، حيث يقول "إِنّ الله خص هذه الأُمّة بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا إلاّ مايعلمون، وأن لا يردوا ما لا يعلمون، ثمّ قرأ: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلاّ الحق) ، وقرأ: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه). ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ﴾ أي القرآن قبل أن يتدبروه ويعلموا ما فيه ﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ أي لم يقفوا على معانيه أو لم يأتهم عاقبة ما فيه من الوعيد ﴿كَذَلِكَ﴾ التكذيب ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ رسلهم ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ فكذا عاقبة هؤلاء.