وفي الآية التالية ورد جواب رابع لهؤلاء، فهي تقول: إِذا كنتم تفكرون أن تؤمنوا حين نزول العذاب، وأنّ إِيمانكم سيقبل منكم، فإِنّ ظنّكم هذا باطل لا صحّة له: (أثمّ إِذا ماوقع أمنتم به) ، لأنّ أبواب التوبة ستغلق بوجوهكم بعد نزول العذاب، وليس للإِيمان حينئذ أدنى أثر، بل يقال لكم: (الآن وقد كنتم به تستعجلون).
هذا بالنسبة لعقاب هؤلاء الدنيوي، وفي الآخرة: (ثمّ قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلاّ بما كنتم تكسبون) ، فإِنّ أعمالكم في الواقع هي التي أخذت بأطرافكم، وهي التي تتجسد أمامكم وتؤذيكم على الدوام.
ملاحظات
1 - كما قلنا في ذيل الآية (34) من سورة الأعراف، فإِنّ بعض أهل البدع والاديان المختلقة في عصرنا استدلوا بآيات.
مثل: (لكل أُمّة أجل) التي وردت مرّتين في القرآن، على نفي خاتمية نبي الإِسلام (ص) ، وتوصلوا إِلى أن كل دين ومذهب ينتهي في النهاية ويخلي مكانه لمذهب آخر.
في حين أن الأُمّة تعني القوم والجماعة.
لا المذهب.
إِنّ هدف هذه الآيات هو أنّ قانون الحياة والموت لا يختص بالأفراد، بل إِنّه يشمل الأقوام والأمم أيضاً، فاذا سلكوا طريق الظلم والفساد فإِنّهم سينقرضون لا محالة، خاصّة إِذا لاحظنا في هذا البحث الآية التي قبلها والتي بعدها، فستثبت هذه الحقيقة بوضوح، وهي أنّ الكلام ليس عن نسخ المذهب، بل عن نزول العذاب وفناء قوم أو أُمّة، لأنّ الآية السابقة واللاحقة تتحدثان عن نزول العذاب والعقاب الدنيوي.
2 - إِذا لاحظنا الآيات أعلاه سيأتي هذا السؤال، وهو: هل ستبتلي المجتمعات الإِسلامية أيضاً بهذا العقاب والعذاب في هذا العالم؟
والجواب عن هذا السؤال بالإِيجاب، إِذ لا دليل لدينا على أنّ هذه الأُمّة مستثناة، بل إِنّ هذا القانون في حق كل الأُمم والملل، وما قرأناه في بعض آيات القرآن - الأنفال / 33 - من أنّ الله سبحانه سوف لا يعذب هذه الأُمّة، فهو مشروط بواحد من شرطين: إِمّا وجود النّبي (ص) بين أُولئك، أو الإِستغفار والتوبة من الذنوب، لا أنّه بدون قيد أو شرط.
3- تؤكّد الآيات أعلاه مرّة أُخرى على هذه الحقيقة، وهي أنّ أبواب التوبة تغلق حين نزول العذاب فلا ينفع الندم حينئذ، وسبب ذلك واضح، لأنّ التوبة في مثل هذه الأحوال تكون عن اكراه واجبار، ومثل هذه التوبة لاقيمة لها.
﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾.