لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
مظاهر عظمة الله في الكون: آخر آية في المبحث الماضي دارت حول توحيد الله، وهذه الآية تقدم الدليل على وجود الله ووحدانيته. قبل أن ندخل في تفسير الآية، لابدّ من مقدمة موجزة. حيثما كان «النظم والإنسجام»، فهو دليل على وجود العلم والمعرفة، وأينما كان «التنسيق» فهو دليل على الوحدة. من هنا، حينما نشاهد مظاهر النظم والإنسجام في الكون من جهة، والتنسيق ووحدة العمل فيه من جهة اُخرى، نفهم وجود مبدأ واحد للعلم والقدرة صدرت منه كل هذه المظاهر. حينما نمعن النظر في الأغشية الستة للعين الباصرة ونرى جهازها البديع، نفهم أن الطبيعة العمياء الصماء لا يمكن إطلاقاً أن تكون مبدأ مثل هذا الأثر البديع، ثم حينما ندقق في التعاون والتنسيق بين هذه الأغشية، والتنسيق بين العين بكل أجزائها وبين جسم الإنسان، والتنسيق الفطري الموجود بين الإنسان وبين سائر البشر، والتنسيق بين بني البشر وبين كل مجموعة نظام الكون، نعلم أن كل ذلك صادر من مبدأ واحد، وكل ذلك من آثار وقدرة ذات مقدسة واحدة. ألا تدل القصيدة الجميلة العميقة المعنى على ذوق الشاعر وقريحته؟! ألا يدلّ التنسيق الموجود بين قصائد الديوان الواحد على أنها جميعاً صادرة من قريحة شاعر مقتدر واحد؟ بعد هذه المقدمة نعود إلى تفسير الآية، هذه الآية الكريمة تشير إلى ستة أقسام من آثار النظم الموجود في عالم الكون، وكل واحد آية تدل على وحدانية المبدأ الأكبر. 1 - ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...﴾ من العلامات الدالة على ذات الله المقدسة وعلى قدرته وعلمه ووحدانيته، السماء وكرات العالم العلوي، أي هذه المليارات من الشموس المشرقة والنجوم الثابتة والسيارة، التي ترى بالعين المجردة أو بالتلسكوبات، ولا يمكن رؤية بعضها بأقوى أجهزة الإرصاد لبعدها الشاسع.... الشاسع للغاية، والتي تنتظم مع بعضها في نظام دقيق مترابط. وهكذا الأرض بما على ظهرها من حياة، تتجلّى بمظاهر مختلفة وتتلبس بلباس آلاف الأنواع من النبات والحيوان. ومن المدهش أن عظمة هذا العالم وسعته وامتداده تظهر أكثر كلما تقدّم العلم، ولا ندري المدى الذي سيبلغه العلم في فهم سعة هذا الكون! يقول العلم لنا اليوم: إن في السماء آلافاً مؤلفة من المجرات، ومنظومتنا الشمسية جزء من واحدة من المجرات، وفي مجرتنا وحدها مئات الملايين من الشموس والنجوم السّاطعة، وحسب دراسات العلماء يوجد بين هذه الكواكب مليون كوكب مسكون بمليارات الموجودات الحيّة! حقاً ما أعظم هذا الكون! وما أعظم قدرة خالقه!! 2 - ﴿وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ...﴾ من الدّلائل الاُخرى على ذاته المقدسة وصفاته المباركة تعاقب الليل والنهار، والظلمة والنور بنظام خاص، فينقص أحدهما بالتدريج ليزيد في الآخر، وما يتبع ذلك من تعاقب الفصول الأربعة، وتكامل النباتات وسائر الأحياء في ظل هذا التكامل. لو انعدم هذا التغيير التدريجي، أو انعدم النظام في هذا التدريج، أو انعدم تعاقب الليل والنهار لإِنمحت الحياة من وجه الكرة الأرضية، ولو بقيت واستمرت - فرضاً - لأصابتها الفوضى والخبط. 3 - ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ﴾ الإنسان يمخر عباب البحار والمحيطات بالسفن الكبيرة والصغيرة، مستخدماً هذه السفن للسفر ولنقل المتاع. وحركة هذه السفن خاصة الشراعية منها تقوم على عدّة أنظمة: الأوّل، نظام هبوب الرياح على سطح مياه الكرة الأرضية، فهناك الرياح القارية التي تهبّ من القطبين الشمالي والجنوبي نحو خطّ الإستواء وبالعكس وتدعى «اليزه» و«كنتر اليزه»؟؟. وهناك الرياح الإقليمية التي تهب وفق نظام معين، وتعتبر قوة طبيعية لتحريك السفن نحو مقاصدها. وهكذا خاصية الخشب، أو خاصية القوّة الدافعة التي يسلطها الماء على الأجسام الغاطسة فيه، فيجعل هذه السفن تطفو على سطح الماء. أضف إلى ذلك خاصية القطبين المغناطيسيين للكرة الأرضية، التي تساعد البحارة باستخدام البوصلة أن يعرفوا اتجاههم في وسط البحار، إضافة إلى استفادتهم من نظام حركة الكواكب في معرفة جهة السير. كل هذه الأنظمة تساعد على الإستفادة من الفلكي، وتعطي دلي محسوساً على قدرة الله وعظمته، وتعتبر آية من آيات وجوده. استعمال المحركات الوقودية بدل الأشرعة في السفن اليوم، لم يقلل أهمية هذه الظاهرة، بل زادها عجباً ودهشة، إذ نرى اليوم السفن العملاقة التي تشبه مدينة بجميع مرافقها، تطفو على سطح الماء وتتنقل بفنادقها وساحات لعبها وأسواقها، بل ومدارج للطائرات فيها... على ظهر البحار والمحيطات. 4 - ﴿وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة... ﴾ من مظاهر قدرة الله وعظمته المطر الذي يحيي الأرض، فتهتز ببركته وتنمو فيها النباتات وتحيا الدواب بحياة هذه النباتات، وكل هذه الحياة تنتشر على ظهر الأرض من قطرات ماء لا حياة فيها. 5 - ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ...﴾ لا على سطح البحار والمحيطات لحركة السفن فحسب، بل على الجبال والهضاب والسهول أيضاً لتلقيح النباتات فتخرج لنا ثمارها اليانعة. وتارة تعمل على تحريك أمواج المحيطات بصورة مستمرة ومخضها مخض السقاء لايجاد محيط مستعد لنمو وحياة الكائنات البحرية. واُخرى تقوم بتعديل حرارة الجو وتلطيف المناخ بنقلها حرارة المناطق الاستوائية إلى المناطق الباردة، وبالعكس. واحياناً تقوم بنقل الهواء الملوّث الفاقد للاوكسجين من المدن إلى الصحاري والغابات لمنع تراكم السموم في الفضاء. أجل فهبوب الرياح مع كل تلك البركات والفوائد علامة اُخرى على حكمة البارئ ولطفه الدائم. 6 - ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ...﴾ والسحب المتراكمة في أعالي الجو، المحمّلة بمليارات الأطنان من المياه خلافاً لقانون الجاذبية، والمتحركة من نقطة إلى اُخرى دون ايجاد خطر، من مظاهر عظمة الله سبحانه. إضافة إلى أن هذا الودق (المطر) الَّذي يخرج من خلال السحاب يحيي الأرض، وبحياة الأرض تحيا النباتات والحيوانات والإِنسان، ولولا ذلك لتحولت الكرة الأرضية إلى أرض مقفرة موحشة. وهذا مظهر آخر لعلم الله سبحانه وقدرته. وكل تلك العلامات والمظاهر ﴿لآيَات لِقَوْم يَعْقِلُونَ﴾، لا للغافلين الصم البكم العمي. ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ على هذا الطراز العجيب والنمط الغريب وما فيها من العجائب والغرائب والمنافع والمصالح ﴿وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ اعتقابهما كل يخلف الآخر ﴿وَالْفُلْكِ﴾ السفن ﴿الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ﴾ بنفعهم أو بالذي ينفعهم والاستدلال بأحوالها وبالبحر وعجائبه ﴿وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء﴾ السحاب وما فوقه ﴿مِن مَّاء﴾ بيان لما ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بالنبات ﴿وَبَثَّ﴾ فرق ﴿فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ تقليبها في مهابها وأحوالها وقرىء الريح ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ﴾ الرياح تقلبه ﴿بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ بمشيئة الله تعالى ﴿لآيَاتٍ﴾ دلائل على وجود الإله ووحدته وعلمه وقدرته تعالى وسائر صفاته ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتفكرون فيها بعقولهم.