ثمّ ينتقد النّبي "هود" قومه على قسوتهم وبطشهم عند النزاع والجدال فيقول: (وإذا بطشتم بطشتم جبارين).
فمن الممكن أن يعمل الإنسان عملا يستوجب العقوبة، إلاّ أنّه لا يصح تجاوز الحد والإِنحراف عن جادة الحق والعدل عند محاسبته ومعاقبته، وأن يعامل ذو الجرم الصغير معاملة ذي الجرم الكبير... وأن تسفك الدماء عند الغضب ويقع التماصع بالسيف(3) ، فذلك ما كان يلجأ إليه الجبابرة والظلمة والطغاة آنئذ...
ويرى الراغب في المفردات أن "البطش" على زنة (نقش) هو أخذ الشيء بقوّة وقسّوة واستعلاء...
وفي الحقيقة أن هوداً يوبخ عبدة الدنيا عن طرق ثلاثة:
الأوّل: علاماتهم التي كانت مظهراً لحبّ الإستعلاء وحب الذات، والتي كانت تبنى على المرتفعات العالية ليفخروا بها على سواهم.
ثمّ يوبخهم على مصانعهم وقصورهم المحكمة، التي تجرهم إلى الغفلة عن الله، وإن الدنيا دار ممر لا مقر.
وأخيراً فإنّه ينتقدهم في تجاوزهم الحدّ والبطش عند الإنتقام...
والقدر الجامع بين هذه الأُمور الثلاثة هو الإِحساس بالإِستعلاء وحبّ البقاء. ويدلّ هذا الأمر على أن عشق الدنيا كان قد هيمن عليهم، وأغفلهم عن ذكر الله حتى ادعوا الألوهية... فهم باعمالهم هذه يؤكّدون هذه الحقيقة، وهي أن "حب الدنيا رأس كل خطيئة".(4)
والقسم الثّالث من حديث هود ممّا بيّنه لقومه، هو ذكر نعم الله على عباده ليحرك فيهم - عن هذا الطريق - الإِحساس بالشكر لعلهم يرجعون نحو الله...
﴿وَإِذَا بَطَشْتُم﴾ بسوط أو سيف ﴿بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾ مستعلين بالضرب والقتل بلا رأفة ولا تثبت.