أئمّة الكفر يتبرّأون من أتباعهم!
تناولت الآيات السابقة دلائل وجود الله سبحانه وإثبات وحدانيته، عن طريق عرض مظاهر لنظام الكون.
وهذه الآيات تتحدث عن أولئك الذين أعرضوا عن كل تلك الدلائل الواضحة، وساروا على طريق الشرك والوثنية وتعدّد الآلهة.
عن أُولئك الذين يحنون رؤوسهم تعظيماً أمام الآلهة المزيقة، ويتعشقونها ويشغفون بها حبّاً لا يليق إلاّ بالله سبحانه مصدر كل الكمالات وواهب جميع النعم.
تقول الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً﴾.
ولم يتخذ المشركون هؤلاء الأنداد للعبادة فحسب، بل ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ﴾.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لله﴾، لأنهم أصحاب عقل وإدراك، يفهمون أن الله سبحانه مصدر كل الكمالات، وهو وحده اللائق بالحبّ، ولا يحبون شيئاً آخر إلاّ من أجله.
وقد غمر الحبّ الإلهي قلبهم حتى أصبحوا يرددون مع أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): «فَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى عَذَابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلَى فِرَاقِكَ»؟!.
الحبّ الحقيقي يتجه دائماً نحو نوع من الكمال، فالإِنسان لا يحبّ العدم والنقص، بل يسعى دوماً وراء الوجود والكمال، ولذلك كان الأكمل في الوجود والكمال أحق بالحبّ.
الآية أعلاه تؤكد أن حبّ المؤمنين لله أشدّ من حبّ الكافرين لمعبوداتهم.
ولم لا يكون كذلك؟! فلا يستوي من يحبّ عن عقل وبصيرة، ومن يحبّ عن جهل وخرافة وتخيّل.
حبّ المؤمنين ثابت عميق لا يتزلزل، وحبّ المشركين سطحي تافه لا بقاء له ولا استمرار.
لذلك تقول الآية: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ، أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَديدُ الْعَذابِ﴾ لرأوا سوءَ فعلهم وسوءَ عاقبتهم.
في هذه اللحظات تزول حجب الجهل والغرور والغفلة من أمام أعينهم، وحين يرون أنفسهم دون ملجأ أو ملاذ، يتجهون إلى قادتهم ومعبوديهم، ولات حين ملاذ بغير الله
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً﴾ من الأصنام أو الرؤساء الذين يتبعونهم ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ يعظمونهم ﴿كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾ لا يعدلون عنه إلى غيره ﴿وَلَوْ يَرَى﴾ يعلم ﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بالشرك ﴿إِذْ يَرَوْنَ﴾ حين يرون ﴿الْعَذَابَ﴾ في القيامة ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ﴾ القدرة ﴿لِلّهِ جَمِيعاً﴾ أي لندموا وقرىء ترى على الخطاب أي لرأيت أمرا عظيما ﴿وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾