لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية التالية تؤكد على عداء الشيطان، وعلى هدفه المتمثل في شقاء الإنسان، وتقول: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾. منهج الشيطان يتلخص في ثلاثة أبعاد هي: السوء،والفحشاء،والتّقول على الله. الفحشاء من «الفحش»، وهو كل عمل خارج عن حدّ الإعتدال، ويشمل كل المنكرات والقبائح المبطنة والعلنية. واستعمال هذه المفردة حالياً بمعنى الأعمال المنافية للعفّة هو من قبيل استعمال اللفظ الكلي في بعض مصاديقه. عبارة ﴿تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ قد تشير إلى تحريم بعض الأطعمة المحللة، كما مرّ بنا في سبب النّزول. وهو عمل بعض القبائل العربية في الجاهلية، وقيل: إن رواسبه كانت باقية في ذهن بعض المسلمين الجدد. وقد يتسع معناها ليشمل الشرك والتشبيه بالله أيضاً. على أية حال، العبارة تشير إلى القول غير القائم على العلم، وهو قول شيطاني مذموم، خاصة إذا كان متضمناً نسبة شيء إلى الله. الإسلام يحثّ دوماً على الإنطلاق من العقل والمنطق في اتخاذ المواقف وفي إصدار الأحكام، ولو كان دأب أفراد المجتمع ذلك لزال من المجتمع الشقاء. كل ما دخل في الأديان الإلهية من تحريف ومسخ إنما كان على يد أفراد بعيدين عن المنطق، والجانب الأكبر من الإنحرافات العقائدية يعود إلى عدم رعاية هذا الأصل، لذلك كان محوراً من محاور النشاط الشيطاني بعنوان مستقل - في مقابل السوء والفحشاء - في الآية المذكورة. بحوث 1 - أصل الحليّة: هذه الآية تدل على أنّ الأصل في كل الأغذية الموجودة على ظهر الأرض الحليّة، والمستثناة هي الأغذية المحرمة. من هنا فإن الحرمة تحتاج إلى دليل لا الحلية. وهذا ما يقتضيه أيضاً طبيعة الخليقة. إذ لابدّ من وجود تنسيق بين القوانين التشريعية والقوانين التكوينية. بعبارة أوضح ما خلقه الله لابدّ أن ينطوي على فائدة لعباده. من هنا فلا معنى أن يكون الأصل الأوّلى للأطعمة على ظهر الأرض التحريم. فكل غذاء إذن حسب هذه الآية الكريمة حلال ما لم تثبت حرمته بدليل صحيح، ومادام لا يشكل ضرراً على الفرد والمجتمع. 2 - الإنحرافات التدريجية: عبارة ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ قد تشير إلى مسألة تربوية دقيقة، هي إنّ الإنحرافات تدخل ساحة الإِنسان بشكل تدريجي، لا دفعي فوري. فتلوّث شاب يبالقمار، أو شرب الخمر، أو بالمخدرات مث يتم على مراحل: ييشترك أوّ متفرجاً في جلسة من جلسات الخمارين أو المقامرين، ظاناً أنه عمل اعتيادي لا ضير فيه. ثم يشترك في القمار للترويح عن النفس (دون ربح أو خسارة)، أو يتناول شيئاً من المخدرات بحجة رفع التعب أو المعالجة أو أمثالها من الحجج. وفي الخطوة الاُخرى يمارس العمل المحرم قاصداً أنه يمارسه مؤقتاً. وهكذا تتوالى الخطوات واحدة بعد اُخرى ويصبح الفرد مقامراً محترفاً أو مدمناً خطراً. وساوس الشيطان تدفع بالفرد على هذه الصورة التدريجية نحو هاوية السقوط، وليست هذه طريقة الشيطان الأصلي فحسب، بل كل الأجهزة الشيطانية تنفذ خططها المشؤومة على شكل «خُطُوات» لذلك يحذّر القرآن كثيراً من اتّخاذ الخطوة الاُولى على طريق الإنزلاق. جدير بالذكر أن الأعمال الخرافية غير القائمة على أساس منطقي اعتبرتها النصوص الإسلامية من «خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ». وقد ورد في رجل أقسم أن يذبح ابنه، قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) : «ذَلِكَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ». وعن الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) : «كُلُّ يَمِين بِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ» . وعن الامام الصادق أيضاً: «إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى شَيء وَالَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ إِتْيَانُهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلاَ كَفَّارَةَ لَهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ». 3 - الشّيطان عدوّ قديم: الآية الكريمة وصفت الشّيطان أنّه ﴿عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾، وذلك إمّا لعدائه لآدم بعد أن أبى السجود له، وخسر كل شيء على أثر ذلك. وإما بسبب إغوائه الواضح لبني البشر ودفعهم على طريق الإجرام. وواضح أن هذا الدفع لا يصدر إلاّ من عدوّ لدود. أو لأن الشيطان أعلن عداءه صراحة للإنسان، وعاهد نفسه على إغوائهم إذ قال: ﴿لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾. 4 - طريقة الوسوسة الشّيطانية: الآية الكريمة تحدثت عن أمر الشيطان: فقالت: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ...﴾ وهذا الأمر هو الوسوسة الشيطانية. وقد يطرح سؤال بشأن هذه الأوامر الشيطانية إذ لا يحسّ الإنسان بأمر خارجي يصدر إليه حين يرتكب السيئات، ولا يتلمس سعياً شيطانياً لإضلاله. الجواب هو أن هذه «الوسوسة» تأثير خفي عبّرت عنه بعض الآيات بالإيحاء: ﴿وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيَائِهِمْ﴾. والإيحاء من «الوحي» الذي هو تأثير غيبي خفي أو التأثيرات اللاواعية أحياناً. وثمّة فرق بين «الإلهام الإلهي» و«الوسوسة الشيطانية» هو إن الإلهام الإلهي لانسجامه مع الفطرة الإنسانية ومع تركيب الجسم والروح، يترك في النفس حالة انبساط وانشراح. بينما الوسوسة الشيطانية لتناقضها مع الفطرة الإنسانية السليمة، تجعل القلب يحسّ بظلام وانزعاج وثقل. وإن لم يحدث فيه مثل هذا الإحساس قبل ارتكاب السيئة فإنه يحسّ بها بعد الإرتكاب. هذا هو الفرق بين الإلهامات الشيطانية والإلهامات الإلهية. ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ﴾ القبائح ﴿وَالْفَحْشَاء﴾ ما تجاوز الحد في القبح ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ كادعاء الأنداد والأولاد وتحريم حلاله وبالعكس.