لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
أجل (وإن ربّك لهو العزيز الرحيم). بحوث 1 - الإنسجام التام في دَعَوات الأنبياء في ختام قصص هؤلاء الأنبياء السبعة نجة أن هذه القصص تشكّلُ حلقة كاملة من حيث الدروس التربوية... وينبغي أن نلتفت إلى هذه "اللطيفة"(2) وهي أن قصص هؤلاء الأنبياء جميعاً جاءت في سور أُخَر من القرآن أيضاً. إلاّ أنها لم تُعرَض بهذا العرض بحيث نجد أن بداية دعوتهم منسجمة، كما أنّ نهاياتها منسجمة أيضاً. ولوحظ في خمسة أقسام من هذه القِصص أن محتوى الدعوة هو تقوى الله، ثمّ الإشارة إلى أمانة النّبي، وعدم مطالبته قومه بالأجر على تبليغه إيّاهم... وبعد هذه المسائل تعالج المسائل الإجتماعية، والإنحرافات الأخلاقية، من قبل الأنبياء بلغة تنمّ عن الإشفاق والمحبة... ثمّ يبيّن القرآن ردّ فعل الاُمم المنحرفة تجاه أنبيائهم، وأخيراً عاقبتهم الوخيمة، ويذكر عذاب كل منهم وكيفيته... وفي نهاية كل من هذه القصص السبع يشير القرآن إلى أن في ذلك آية وأن أكثرهم لا يؤمنون... ثمّ يؤكّد القرآن أيضاً في نهاية كل قصّة منها على قدرة الله (وعزته) ورحمته. وهذا الإنسجام - قبل كل شيء - يدلُّ على تجلي مفهوم وحدة دعوات الأنبياء، بحيث كانوا ذوي منهج واحد وبداية واحدة ونهاية واحدة... وجميعهم كانوا معلمي مدارس الإنسانية... وبالرغم من أنّ محتوى هذه المدارس كان ينبغي أن يتغيّر بتقدم الزمن والمجتمع الإنساني، إلاّ أنّ الاُصول والنتائج تبقى على حالها. ثمّ بعد هذا كله، فإن هذه القصص كانت تسرّي عن قلب النّبي والمؤمنين القلّة في ذلك العصر (والمؤمنون في كل عصر) وتسلّي خاطرهم، لئلا يحزنوا وييأسوا من كثرة المشركين والأعداء الضالين، وأن يثقوا ويتوقعوا العاقبة لهم... وأن يكون أملهم بذلك كبيراً... كما أن ذلك إنذار للجبابرة والمستكبرين والظالين - في كل عصر وزمان - لئلا يتصوروا بأنّ عذاب الله بعيد عنهم... العذاب بأنواعه كالزلزلة والصاعقة، والطوفان والبركان... وانشقاق الأرض والخسف، والأمطار الغزيرة التي تعقبها السيول المدمّرة، والإنسان المعاصر ضعيف أمامها كضعف الإنسان الغابر... لأن الإنسان المعاصر - بالرغم من جميع قواه وتقدمه الصناعي عاجز أمام الطوفان والصاعقة والزلزلة... ويبقى ضعيفاً لا حول له ولا طول!... كل ذلك من أجل أن الهدف من قصص القرآن هو تكامل الناس وبلوغهم الرشد، والهدف تنوير القلوب ومعالجة الهوى بالتعقّل... وأخيراً فإنّ الهدف هو مواجهة الظلم والإنحراف... 2 - التقوى، بداية دعوة الأنبياء جميعاً: ممّا يلفت النظر أن قسماً مهماً من قصص هؤلاء الأنبياء - الوارد ذكرهم في سورة الشعراء - ذكر في سورة هود والأعراف، إلاّ أن في بداية ذكرهم وبيان سيرتهم في اقوامهم الدعوة إلى وحدانية الله - عادةً - ويُبتدأ في تلك السور عند ذكرهم. بجملة (يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره)! إلاّ أنّه في هذه السورة (الشعراء) - كما لاحظنا - كانت بداية دعوتهم قومهم (ألا تتقون)... والحق أنّهما تعودان إلى نتيجة واحدة... لأنّه إذا لم تُوجد في الإنسان أدنى مراتب التقوى، وهي طلب الحق، فإنه لا يؤثر فيه شيء، لا الدعوة إلى التوحيد ولا غيرها... لذا فإنّنا نقرأ في بداية سورة البقرة قوله تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). وبالطبع فإنّ التقوى لها مراحل - أو مراتب - وكل مرتبة هي درجة للرقي إلى المرحلة التالية أو المرتبة الأُخرى... كما نلاحظ اختلافاً آخر بين هذه السورة وسورتي الأعراف وهود، ففي سورتي الأعراف وهود كانت دعوة الأنبياء تتركز على نبذ الأصنام، أمّا المسائل الأُخَر فكانت تحت الشعاع، إلاّ أنه في سورة الشعراء هذه تتركز الدعوة على مكافحة الإنحرافات الأخلاقية والإجتماعية، كالمفاخرة وطلب الإستعلاء، والإسراف، والإنحراف الجنسي، والإستثمار والتطفيف. إلخ... وهذا الأمر يكشف بأن تكرار هذه القصص في القرآن له حساب خاص، ولكلٍّ هدف معين يعرف من السياق! 3 - الانحرافات الاخلاقية ممّا يلفت النظر أنّ الاقوام المذكورين في هذه السورة، بالإضافة إلى انحرافهم عن أصل التوحيد نحو الشرك وعبادة الاوثان، الذي يعدّ أصلاً مشتركاً بينهم، فإنهم كانوا متورطين بانحرافات أخلاقية واجتماعية خاصّة "وكل قوم لهم انحرافات خاصّة"... فبعضهم كانوا أهل مفاخرة وتكبر ... كقوم هود(ع). وبعضهم كانوا أهل إسراف وترف كقوم صالح(ع). وبعضهم كانوا مبتلين بالإنحراف الجنسي كقوم لوط(ع). وبعضهم كانوا عبدة المال بحيث كانوا يتلاعبون بالمعاملات كقوم شعيب(ع). وبعضهم كانوا مغرورين بالثروة كقوم نوح(ع). إلاّ أن عقابهم كان متشابهاً إلى حدٍّ ما، وكانت نهايتهم الهلاك... فبعضهم أهلكوا بالصاعقة والزلزلة كقوم شعيب وقوم لوط وقوم صالح وقوم هود. وبعضهم أهلكوا بالطوفان كقوم نوح(ع) وفي الحقيقة، فإن الأرض التي هي مهد للدعة والإطمئنان، وكانوا يمرحون عليها، أُمرت بإهلاكهم!... والماء والهواء الذين هما سببا حياتهم نفذا الامر بإماتتهم! وما أعجب أن تكون حياة الإنسان في قلب الموت، وموته في قلب الحياة، وهو مع كل ذلك غافل مغرور! ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ قص سبع قصص هذا آخرها تسلية لرسوله وتهديدا للمكذبين به بما أصاب الأمم بتكذيب الرسل.