واعلموا أنَّ (إِلى الله مرجعكم) كائنا من كنتم، وفي أي محل ومقام أنتم، وهذه الجملة تشير إِلى الأصل الخامس من الأصول التفصيليّة للقرآن وهي مسألة "المعاد والبعث" ولكن لاتتصوروا - أبداً - أن قدرتكم تعدّ شيئاً تجاه قدرة الله، أو أنّكم تستطيعون الفرار من أمره ومحكمة عدله.. ولا تتصوروا - أيضاً - أنّه لا يستطيع أن يجمع عظامكم النخرة بعد الموت ويكسوها ثوباً جديداً من الحياة.. (وهو على كل شيء قديرٌ).
علاقة الدين بالدنيا:
مايزال الكثير يظنون أن التدين هو العمل لعمارة الآخرة والسعادة بعد الموت، وأنّ الأعمال الصالحة هي الزاد والمتاع للدار الآخرة.. ولا يكترثون أبداً بأثر الدين الأصيل في الحياة الدنيا على حين أن الدين الصحيح في الوقت الذي يعمر الدار الآخرة يعمر "الدنيا" أيضاً.. وطبيعي إِذا لم يكن للدين أي تأثير على هذه الحياة الدنيا فلا تأثير له في الحياة الأُخرى أيضاً.
والقرآن الكريم يتعرض لهذا الموضوع بصراحة في آيات كثيرة، وربّما يتناول أحياناً الجزئيات من هذه المسائل، كما ورد في سورة نوح (ع) على لسان هذا النّبي العظيم مخاطباً قومه (فقلتُ استغفروا ربّكم إنّه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً يمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (3).
ويفهم البعض أنّ صلة هذه المواهب المادية في الدنيا مع الإِستغفار والتطهر من الذنوب معنوية وغير معروفة، في حين أنّه لا دليل على ذلك، بل الصلة بينهما ظاهرة معروفة.
فأي أحد لا يعلم أن الكذب والسرقه والفساد تهدم العلاقات الإِجتماعية؟
وأي أحد لايعلم أن الظلم والتبعيض والإِجحاف تجعل من حياة الناس جحيماً وتكدر صفوهم؟!
وأيّ أحد يشك في حقيقة أن قبول أصل التوحيد وتكوين مجتمع توحيدي على أساس قيادة الأنبياء، وتطهير المجتمع من الذنوب والآثام، والتحلّي بالقيم الإِنسانية - وهي الأُصول الأربعة ذاتها التي أُشير إليها في الآيات المتقدّمة - يسير بالمجتمع البشري نحو هدف تكاملي أفضل، ويخلق محيطاً آمناً عامراً بالصفاء والحرية والصلاح؟
وعلى هذا الأساس نقرأ بعد هذه الأُصول الأربعة في الآيات المتقدمة قوله تعالى: (يمتعكم متاعاً حَسَناً إِلى أجل مُسمّى).
﴿إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ فيه ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه الإثابة والتعذيب.