التّفسير
اختلف بعض المفسّرين في شأن نزول الآية، فقيل أنّها نزلت في أحد المنافقين واسمه "الأخنس بن شريق" الذي كان ذا لسان ذلق ومظهر جميل، وكان يُبدي للنّبي (ص) الحب ظاهراً لكنّه كان يخفي العداوة والبغضاء في الباطن.
كما نُقل عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن الإِمام محمّد بن علي الباقر (ع) أنّها نزلت في جماعة من المشركين، حيث كانوا حين يمرون بالنّبي (ص) كانوا يطأطئون برؤوسهم ويستغشون ثيابهم لئلا يراهم النّبي (ص).
ولكن الآية تشير - على العموم - إِلى أحد الأساليب الحمقاء التي كان يتبعها أعداء الإِسلام والنّبي (ص) وذلك بالإِستفادة من طريقة النفاق والإِبتعاد عن الحق، فكانوا يحاولون أن يخفوا حقيقتهم وماهيتهم عن الأنظار لئلا يسمعوا قول الحق.
لذلك فإِنّ الآية تقول: (ألا إِنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه).
ومن أجل أن نفهم الآية فهماً دقيقاً ينبغي أن تتضح لنا كلمة "يثنون" بجلاء فهي من مادة "ثني" وهي في الأصل تعني ضم أقسام الشيء بعضها إِلى بعض، فمثلا في طي قطعة القماش والثوب يقال "ثنى ثوبه" وإِنّما يقال للشخصين على سبيل المثال: إِثنان، فلأجل أن انضمّ واحد إِلى جانب الآخر، ويقال للمادحين "مثنون" كذلك، لأنّهم يعدون الصفات البارزة واحدة بعد الأُخرى.
وتعني الإِنحناء أيضاً، لأنّ الإِنسان بعمله هذا وهو الإِنحناء يقرّب أجزاء من جسمه بعضها إِلى بعض.
وتأتي هذه المادة بمعنى أن تجد العداوة والبغضاء والحقد طريقها إِلى القلب أيضاً.. لأنّ الإِنسان بهذا العمل يقرب عداء الشخص - أو أيّ شيء آخر - إِلى القلب، ومثل هذا التعبير موجود في الأدب العربي إذ يقال: "اثنونى صدره على البغضاء" (1).
ومع الأخذ بنظر الإِعتبار بما ورد آنفاً من معان لمادة "ثني" فلا يبعد أن تكون كلمة "يثنون" مشيرة إِلى كل عمل خفي - ظاهري وباطنيّ - قام به أعداء النّبي (ص) ، فمن جهة يُضمرون العداوة والبغضاء في القلوب ويبدون المحبّة في لسان ذلق جميل!
ومن جهة أُخرى يقربون رؤوسهم بعضها إِلى بعض عند التحدث، ويثنون الصدور ويستغشون الثياب، لئلا تنكشف مؤامراتهم وأقوالهم السيئة ويطّلع أحد على نياتهم.
لذلك فإِنّ القرآن يعقّب مباشرة: أن أحذروهم، فإِنّهم حين يستخفون تحت ثيابهم فإِنّ الله يعلم ما يخفون وما يعلنون.. (إِلا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إِنّه عليم بذات الصدور).
﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ يطوونها على عداوة النبي ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ من الله أو النبي ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ يتغطون بها ﴿يَعْلَمُ﴾ أي الله ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بمكنونات القلوب.