لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ثمّ يستثني الله سبحانه المؤمنين الذين يواجهون الشدائد والمصاعب بصبر، ولا يتركون الأعمال الصالحة على كل حال، فهؤلاء بعيدون عن الغرور والتكبر وضيق الأفق، حيث يقول سبحانه: (إلاّ الذين صبروا وعملوا الصالحات). هؤلاء لا يَغترّون عند وفور النعمة فينسون الله، ولا ييأسون عند الشدائد والمصائب فيكفرون بالله، بل إِن أرواحهم الكبيرة وافكارهم السليمه جعلتهم يهضمون النعم والبلايا في أنفسهم دون الغفلة عن ذكر الله واداء مسؤولياتهم ولذلك فإِنّ لهؤلاء ثواباً ومغفرة من الله (أُولئك لهم مغفرة واجر كبير). بحوث 1 - الأُمّة المعدُودَة وأصحاب المهدي (ع): في روايات عديدة وصلتنا عن أهل البيت (ع) أنّ الأُمّة المعدودة تعني النفر القليل، وفيها إِشارة إِلى أصحاب المهدي (ع) وأنصاره، وعلى هذا يكون معنى الآية: إِذا ما أخرنا العذاب عن الظالمين والمسيئين إِلى ظهور المهدي وأصحابه، فإِنّ أُولئك الظالمين يقولون: أي شيء يقف أمام عذاب الله فيحبسه عنّا! ولكن كما قلنا أن ظاهر الآية من الأُمّة المعدودة هو الزمان المعدود والمعين، وقد وردت رواية عن الإِمام علي (ع) في تفسير الأُمّة المعدودة تشير إِلى ما بيّناه، وهو الزمان المعين، فيمكن أن تكون الرّوايات الآنفة تشير إِلى المعنى الثّاني من الآية، وهو ما اصطلح عليه بـ "بطن الآية" وطبيعي أنّه بمثابة البيان عن القانون الكلي في شأن الظالمين، لا أنّه موضوع خاص بالمشركين الذين عاصروا النّبي (ص) ، ونحن نعلم أنّ آيات القرآن تحمل معاني كثيرة مختلفة، فالمعنى الأوّل والظاهر يمكن أن يكون في مسألة خاصّة أو جماعة معينة، والمعنى الآخر يكون عاماً مجرّداً عن الزمان وغير مخصوص بفئة معينة. 2 - أربع ظواهر لضيق الافق الفكري رسمت الآيات المتقدمة ثلاث حالات مختلفة من حالات المشركين والمسيئين، وقد ورد في ضمنها أربعة أوصاف لهم: الأوّل: إِنّ المشرك يؤوس عند قطع النعمة عنه، أي لا يبقى له أمل أبداً. والآخر: إِنّه كفور، أي غير شاكر أبداً. والثّالث: إِنّه إِذا غرق بالنعمة أو نال أقلّ نعمة، فهو - على العكس من الحالة السابقة - ينسى نفسه وينسى كل شيء ويغفل بما ناله من اللّذة والنشاط، فيغدو ثملا مغروراً وينجر إِلى الفساد والتجاوز على حدود الله. والوصف الرّابع: إنّ حاله عند وفور النعمة حالة الفخر، أي يبلغ درجة كبيرة من التكبر. وعلى كل حال، هذه الأوصاف الأربعة هي ظواهر من ضيق الاُفق وقلّة الإِستيعاب والرؤية.. وهي لا تختص بجماعة معينة من غير المؤمنين وملوّثي الفكر، بل هي سلسلة من الأوصاف العامّة لجميع هؤلاء.. أمّا المؤمنون الذين يمتعون بروح كبيرة وفكر عال وصدر رحب ورؤية بعيدة المدى، فلا يهزّهم تبدل الدنيا والزمان، ولا ييأسوا لسلب النعمة عنهم، ولا يغرّهم إقبال النعمة فيكونوا من الغافلين، لذا ينبغي الدقة والملاحظة في آخر الآية التي تستثني المؤمنين، إِذ ورد التعبير فيها عن الإِيمان بالصبر والإِستقامة (إِلاّ الذين صبروا). 3 - معيار الضعف النفسي والمسألة الدقيقة الأُخرى التي ينبغي الإِلتفات إِليها، هي أنّه في الموردين (مورد سلب النعمة بعد إِسباغها ومورد إِسباغ النعمة بعد سلبها) أشير بكلمة "أذقنا" المشتقّة من "الإِذاقة" ويراد بها أن نفوس هؤلاء المشركين ضعيفة إِلى درجة أنّهم لو أعطوا نعمة قليلة ثمّ سُلبت منهم يضجرون وييأسون، كما أنّهم إِذا ذاقوا نعمة بعد شدة يفرحون ويغترّون بها. 4 - النِعَمُ جميعُها مواهب: الطريف أنّه في الآية الأُولى عبّر عن النعمة بالرحمة (ولئن أذقنا الإِنسان منَّا رحمة) وفي الآية الثّانية ورد كلمة "النعمة" نفسها، ويمكن أن تكون إِشارة إِلى أنّ نعم الله جميعها تصل إِلى الإِنسان عن طريق التفضل والرحمة لا عن طريق الإِستحقاق، وإِذا كان الأصل أن تكون النعمة على حسب الإِستحقاق، فإِنّ جماعة قليلة ستنالها، أو أن أية جماعة لن تنالها أبداً. 5 - أثران للاعمال الحسنة في آخر آية - من الآيات محل البحث - وعدٌ بالمغفرة - للأفراد المؤمنين الذين يتمتعون بالإِستقامة - ووعد بالأجر الكبير أيضاً جزاءاً لأعمالهم الصالحة، فهي إِشارة إِلى أنّ الأعمال الصالحة لها أثران: الأوّل: غسل الذنوب. والثّاني: كسب الثواب العظيم والأجر الكبير. ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على الضراء استثناء من الإنسان العام باللام وإن حمل على الكافر فمنقطع ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ شكرا للنعماء ﴿أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ هو الجنة.