لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فلماذا لا يقدرون على ذلك (فإِن لم يستجيبوا لكم فاعلموا إِنّما أنزل بعلم الله) واعلموا أيضاً أنّه لا معبود سوى الله، ونزول هذه الآيات دليل على هذه الحقيقة (وأن لا إِله إِلاّ الله) فهل يسلم المخالفون مع هذه الحالة (فهلْ أنتم مسلمون) ؟ أي بعد ما دعوناكم للإِتيان بمثل هذه السور، وظهر عجزكم وعدم قدرتكم على ذلك، فهل يبقى شك في أن هذه الآيات منزلة من قبل الله، ومع هذه المعجزة البينة أمّا زلتم منكرين، أم أنّكم تسلمون وتقرّون حقاً؟! بحوث 1 - من المعلوم أنّ كلمة "لعلّ" تأتي لإِظهار الرجاء لعمل شيء ما وتحققه، ولكن "لعل" هنا جاءت بمعنى النهي، وهي تماماً مثل مايريد الأب مثلا أن ينهي ولده فيقول له: لعلك ترافق فلاناً فأنت حينئذ غيرمهتم للعاقبة، فمعنى الكلام هنا: لا ترافق فلاناً لأن صحبته تضرك. إِذاً فعلى الرغم من أن "لعل" تفيد الرجاء، إِلاّ أن المفهوم الإِلتزامي منها النهي عن عمل أيضاً. في الآيات - محل البحث - يؤكّد الله سبحانه على النّبي ألاّ يؤخر إِبلاغه الوحي خوفاً من تكذيب المخالفين أو طلبهم معجزات مقترحة من قبلهم. 2 - يرد هنا سؤال هو: كيف يمكن للنّبي (ص) أن يؤخر إبلاغه الوحي، أو لا يبلغه أساساً؟ مع أنّ النّبي (ص) معصوم ولا يصدر منه الخطأ والذنب! الجواب: إنّ النّبي (ص) متى ما اُمر بتبليغ حكم فوري فمن المسلّم أنّه يبلغه فوراً ودون ابطاء، ولكن يتفق - أحياناً أن يكون وقت التبليغ موسعاً.. والنّبي يؤخر البلاغ تبعاً لأُمور... هذه الأُمور ليس لها جانب شخصي بحيث تعود للنبيّ (ص) نفسه، بل لها جانب عام ودفاع عن الدين، وهذا التأخير ليس ذنباً قطعاً، مثل ما ورد - في سورة المائدة في الآية 67 - من أمر الله للرّسول الأعظم (ص) بالتبليغ، وأن لا يخاف من تهديدات الناس لأنّ الله سيحفظه حيث يقول عزَّوجلّ: (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إِليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس). وعلى هذا فلم يكن تأخير البلاغ هنا ممنوعاً على النّبي (ص) ولكن "الإِسراع" فيه دليل على قاطعيته.. فالإِسراع بالتبليغ يُعدّ أولى من التأخير.. فالله سبحانه يريد أن يشدّ من معنوية نبيّه (ص) ويثبت فؤاده ويجعله صلداً أمام المخالفين بحيث يبلغ "بضرس قاطع" ولا يلتفت إِلى طلبات المخالفين وحجج المستهزئين، ولا يستوحش من صخبهم وضجيجهم! 3 - احتمل المفسّرون في معنى "أم" التي في أوّل الآية الأُخرى (أم يقولون افتراه) احتمالين: الأوّل: إِنّه بمعنى "أو". والثّاني: بأنّه بمعنى "بل". ففي الصورة الأُولى يكون المعنى على النحو التالي: لعلك لم تتلُ آياتنا خوفاً من حجج المخالفين، أو أنّك تلوتها ولكنّهم كذبوك وقالوا افتريتها على اللّه سبحانه. وفي الصورة الثّانية يكون المعنى على النحو التالي: لا تؤخر إِبلاغ آياتنا لحجج المخالفينثمّ يضيف سبحانهبل هم أساساً منكرون للوحي وللنّبوة، ويزعمون أن الرّسول يكذب على الله. وفي الحقيقة. إِنّ الله يخبر نبيّه مع هذا البيان أن ما يطلبه هؤلاء من المعاجز المقترحة فليس لطلب "الحق"، بل لأنّهم أساساً منكرون للنّبوة. وإِنّما هي حجج وتعاليل يتذرعون بها! وعلى كل حال، فعند التأمل في الآيات آنفة الذكر - وخاصّة إِذا دققنا النظر في كلماتها من الناحية الأدبية - نجد أن المعنى الثّاني أقرب إِلى مضاد الآيات، فتأملّوا! 4 - لا شكّ أنّ على النّبي (ص) أن يُريَ معاجزه للذين يطلبون الحق لتكون سنداً لحقانية نبوته، ولا يستطيع أي نبي من الأنبياء أن يستند إِلى ادعائه فحسب. ولكن لا ريب ولا شك أن المخالفين الذين تحدثت عنهم الآيات لم يكونوا يطلبون الحقيقة ويبحثون عنها "وماكانوا يطلبونه من معاجز كانت معاجز اقتراحية على حسب ميولهم وأهوائهم ولا يقتنعون بأية معجزة أُخرى". ومن المسلّم أنّ هؤلاء محتالون وليسوا بطلاّب حقيقة. فهل كان يجب على النّبي (ص) أن تكون لديه كنوز عظيمة كما كان يريده منه مشركو مكّة؟! أو أن يكون معه ملك يصدق دعوته وبلاغه؟! وبعد هذا كلّه ألم يكن القرآن نفسه أعظم وأكبر من كل معجزة.. وإِذا لم يكن أُولئك في صدد التَحَجُّج والتَّحَيُّل، فلماذا لم يذعنوا لآيات القرآن الذي كان يتحدّاهم ويقول لهم: (فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إِن كنتم صادقين). 5 - إِنّ الآيات - المذكورة - توكّد إِعجاز القرآن مرّة أُخرى وتقول: ليس هذا كلاماً عادياً يترشح من الفكر البشري، بل هو وحي السماء الذي ينزل بعلم الله اللامحدود وقدرته الواسعة، وعلى هذا فإِنّه يتحدّى جميع البشر أن يواجهوه بمثله - مع ملاحظة أنّ المخالفين من معاصري النّبي (ص) ومن بعدهم إِلى يومنا هذا عجزوا عن ذلك، وفضلوا مواجهة الكثير من المشاكل على معارضة القرآن، وهكذا يتّضح أن مثل هذا العمل لم يكن من صنع البشر ولايكون، فهل المعجزة شيء غير هذا؟! هذا نداء القرآن ما زال في أسماعنا، وهذه المعجزة الخالدة تدعو العالمين إليها وتتحدى جميع المحافل البشرية، لا من حيث الفصاحة والبلاغة وجمال العبارات وجاذبيتها ووضوح المفاهيم فحسب. بل من حيث المحتوى والعلوم التي فيه والتي لم تكن موجودة في ذلك الزمان، والقوانين التي تتكفل بسعادة البشرية ونجاتها، والبيان الخالي من التناقض، والقصص التاريخية الخالية من الخرافات، وأمثالها. وقد بيّنا ذلك وشرحناه في تفسير الآيتين (23 و 24) من سورة البقرة في إِعجاز القرآن. جميع القرآن أو عشر سور منه أو سورة واحدة! 6 - نحن نعلم أنّ القرآن دعا في بعض آياته المنكرين لنبوة محمّد والمخالفين له إِلى الإِتيان بمثل القرآن، كما في سورة الإِسراء الآية (88). وفي مكان آخر إِلى الإِتيان بعشر سور، كما هو في الآيات التي بين أيدينا - محل البحث - وفي مكان آخر دعا المخالفين إِلى سورة مثل سور القرآن، كما في سورة البقرة الآية (23). ولهذا السبب بحث جماعة من المفسّرين هذا "السرّ" في التفاوت في التحدّي والدعوة إِلى المواجهة، فما هو؟! ولِمَ في مكان من القرآن يطلب الإِتيان بمثله. وفي مكان بعشر سور، وفي مكان يطلب الإِتيان بسورة واحدة ؟! وقد اتبعوا طرقاً مختلفة في الإِجابة على هذا السؤال. ألف - يعتقد البعض أنّ هذا التفاوت من قبيل التنازل من مرحلة عُليا إِلى مرحلة أقل على سبيل المثال، أن يقول قائل لآخر: إِذا كنتَ ماهراً مثلي في فن الكتابة والشعر فاكتب كتاباً ككتابي وهات ديوان شعر كديواني، ثمّ يتنازل ويقول فهات فصلا مثل فصول كتابي، إِلى أن يتحدّاه بأن يأتي بصفحة مثل صفحاته. ولكن هذا الجواب يكون صحيحاً في صورة ما لو كانت سور الإِسراء وهود ويونس والبقرة قد نزلت بهذا الترتيب، كما هو منقول في كتاب "تأريخ القرآن" عن الفهرست لابن النديم، لأنّه يقول إِنّ سورة الإِسراء رقمها في السور (48) ، وسورة هود (49) ، وسورة يونس (51) ، والبقرة هي السورة التسعون النازلة على محمّد (ص). ولكن هذا الكلام لاينسجم مع ترتيب السور في التفاسر الإِسلامية. ب - يرى البعض أن ترتيب السور الآنفة رغم عدم توافقها مع ترتيب التحدي من الأعلى الى الأدنى، ولكن نعلم أنّ جميع آيات السورة الواحدة لم تنزل مجموعة في آن واحد، فبعض الآيات كانت تتأخر في النزول مدة ثمّ يُلحقها النّبي (ص) بالسورة الفلانية بحسب تناسبها معها، وفي محل كلامنا هذا يمكن أن يكون الأمر كذلك، وعلى هذا فإنّ تاريخ السور لا يتنافى مع التنزّل، أو التنازل من مرحلة عليا إِلى مرحلة دنيا. ج - هناك احتمال آخر لحل هذا الإِشكال هو أنّ أجزاء "القرآن" أجزاء تطلق على الكل وعلى البعض منه، فنحن نقرأ في الآية الأُولى من سورة الجن (إِنّا سمعنا قرآناً عجباً) وواضح أنّهم سمعوا بعض القرآن لا أنّهم سمعوا القرآن كلّه، ولفظ القرآن في الأساس مشتق من القراءة، ومن المعلوم أنّ القراءة والتلاوة تصدق على جميع القرآن وعلى جزء منه أيضاً، فعلى هذا يكون التحدي بـ"مثل القرآن" غير مقصود به التحدي بالإِتيان بمثل جميع القرآن، وهو ينسجم بهذا المعنى مع التحدي بعشر سور منه أو حتى بسورة واحدة. ومن جهة أُخرى فإِنّ السورة في الأصل تعني "المجموعة المحدودة"، فيكون إِطلاقها على مجموعة آيات صحيحاً وإِن لم يكن ذلك غير جار في الإِصطلاح العرفي. وبتعبير آخر فإِنّ السورة تطلق على معنيين: الأول: يراد به مجموعة الآيات التي تبحث عن هدف معين. والثّاني: يراد به ما بدىء بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) وينتهي قبل (بسم الله الرحمن الرحيم). والشاهد على هذا قوله تعالى في سورة التوبة الآية (86): (وإِذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله) فالواضح من هذه الآية أن المراد بالسورة من قوله: (وإذا أنزلت سورة) ليس إلاّ الآيات التي تحمل الهدف الآنف، وهو الإيمان بالله والجهاد مع الرّسول، وإن كانت الآيات بعضاً من سورة!.. أمّا "الراغب الأصبهاني" فيقول في مفرداته في تفسير أوّل سورة النّور (سورة أنزلناها) أي جملة من الأحكام والحكم. فكما نلاحظ هنا أن الراغب فسّر السورة بمجموعة من الأحكام والحكم، فلا يبقي فارق مهم بين ألفاظ "القرآن" و "عشر سور" و "سورة" من حيث المفهوم اللغوي. والنتيجة أنّ تحدي القرآن ليس من قبيل التحدي بكلمة واحدة أو بجملة واحدة، حتى يدعي مدع أنّه قادر على الإتيان بآية مثل آية (والضحى) أو آية (مدهامتّان) - أو أنّه يستطيع أن يأتي بجمل بسيطة كما في القرآن، بل التحدي في كل مكان بمجموعة من الآيات التي تحمل هدفاً معيناً "فتأمل". 7 - من هو المخاطب بقوله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لكم) ؟ هناك أقوال بين المفسّرين، فبعض يرى أنّ المخاطب بالآية هم "المسلمون"، أي إذا لم يستجب المنكرون لكم أيّها المسلمون فيأتوا بعشر سور مفتريات فاعلموا أنّ القرآن منزل من الله سبحانه، وهذا كاف في الدلالة على إعجاز القرآن. وقال بعض المفسّرين: المخاطب بالآية هو. "المنكرون" أي: أيّها المنكرون إذا لم يستجب الناس لكم وكل ما دعوتم من دون الله، ولم يقدروا على الإتيان بعشر سور فاعلموا أنّ القرآن نازل من قِبل الله. ولكن من حيث النتيجة لا يوجد تفاوت مهم بين التّفسيرين، وإنّ الإحتمال الأوّل أقرب حسب الظاهر. ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ خطاب له (صلى الله عليه وآله وسلّم) على التعظيم أو للمؤمنين معه أو للمشركين واللام للمدعوين ﴿فَاعْلَمُواْ﴾ أيها المؤمنون أو المشركون ﴿أَنَّمَا أُنزِلِ﴾ متلبسا ﴿بِعِلْمِ اللّهِ﴾ بمواقع تأليفه في علو طبقته أو بأنه حق من عنده ﴿وَأَن﴾ مخففة أي واعلموا أنه ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ لعجز غيره عن مثل هذا المعجز ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ثابتون على الإسلام أو داخلون فيه بعد قيام الحجة.