لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير هناك أقوال كثيرة - في تفسير الآية أعلاه - بين المفسّرين، ولهم نظرات مختلفة في جزئيات الآية وكلماتها وضمائرها والأسماء الموصولة فيها وأسماء الإِشارة، وما نُقلَ عنهم يخالف طريقتنا في هذا التّفسير، ولكنّ تفسيرين منها أشد وضوحاً من غيرهما ننقلهما هنا على حسب الأهميّة: 1 - في بداية الآية يقول الحق سبحانه: (أفمن كان على بينة من ربّه ويتلوه شاهد منه) أي من الله تعالى (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة...). أي التوراة التي تويّد صدقه وعظمته، مثل هذا الشخص هل يستوي ومن لا يتمتع بهذه الخصال والدلائل البينة. هذا الشخص هو النّبي (ص) ، "البيّنة" ودليله الواضح هو القرآن المجيد، والشاهد المصدق بنبوّتهِ كلّ مؤمن حق أمثال علي (ع) ، ومن قَبلُ وردتْ صفاته وعلائمه في التوراة، فعلى هذا ثبتت دعوته عن طرق ثلاثة حقّة واضحة. الأوّل: القرآن الكريم الذي هو بيّنة ودليل واضح في يده. الثّاني: الكتب السماوية التي سبقت نبوّته وأشارت إِلى صفاته بدقّة، وأتباع هذه الكتب السماوية في عصر النّبي كانوا يعرفونه حقاً، ولهذا السبب كانوا ينتظرونه. والثّالث: أتباعه وأنصاره المؤمنون المضحّون الذين كانوا يبيّنون دعوته ويتحدثون عنه، لأن واحداً من علائم حقانيّة مذهب ما هو إخلاص اتباعه وتضحيتهم ودرايتهم وإيمانهم وعقلهم، إذ أن كلّ مذهب يُعرف بأتباعه وأنصاره. ومع وجود هذه الدلائل الحيّة، هل يمكن أن يقاس مع غيره من المدعين، أم هل ينبغي التردّد في صدق دعوته؟!(1). ثمّ يشير بعد هذا الكلام إلى طلاب الحقّ والباحثين عن الحقيقة، يدعوهم إلى الإيمان دعوة ضمنية فيقول: (أُولئك يؤمنون به) أي النّبي الذي لديه هذه الدلائل الواضحة. وبالرغم من أنّ مثل هؤلاء الذين اُشير إليهم بكلمة "أُولئك" في الآية لم يذكروا في الآية نفسها، ولكن مع ملاحظة الآيات السابقة يمكن استحضارهم في جوّ هذه الآية والإشارة إليهم. ثمّ يعقب بعد ذلك ببيان عاقبة المنكرين ومصيرهم بقوله تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده). وفي ختام الآية - كما هي الحال في كثير من آيات القرآن - يوجه الخطاب إِلى النّبي (ص) ويبيّن درساً عاماً لجميع الناس، ويقول: بعدَ هذا كلّه من وجود الشاهد والبيّنة والمصدق بدعوتك، فلا تتردد في الطريق ذاته (فلا تك في مرية منه) لأنّه من قبل الله سبحانه (إِنّه الحقّ من ربّك) ولكن كثيراً من الناس ونتيجةً لجهلهم وأنانيتهم لايؤمنون (ولكن أكثر الناس لايؤمنون). 2 - التّفسير الثّاني لهذه الآية هو أنّ هدفها الأصل بيان حال المؤمنين الصادقين الذين يؤمنون بالنّبي (ص) مع وجود الدلائل الواضحة والشواهد على صدق دعوة النّبي (ص) وما جاء في الكتب السماوية السابقة في شأنه، فأُولئك هم المؤمنون، واستناداً إِلى هذه الدلائل جميعاً يؤمنون به (ص) ، فعلى هذا يكون المقصود من قوله: (أفمن كان على بيّنة من ربّه) جميع الذين لديهم دلائل مقنعة، حيث سارعوا إِلى الإِيمان بالقرآن ومن جاء به، وليس المقصود بكلمة "مَن" في الآية هو النّبي. والذي يرجع هذا التّفسير على التّفسير السابق هو وجود الخبر في الآية صريحاً وليس محذوفاً، والمشار إِليه "أُولئك" مذكور في الآية نفسها، والقسم الأوّل من الآية يبدأ بقوله: (أفمن كان على بيّنة من ربّه) إِلى قوله: (أُولئك يؤمنون به) ويشكل جملة كاملة من دون أي حذف وتقدير.. ولكن من دون شك فإِنّ التعبيرات الأُخرى في هذه الآية لاتنسجم مع هذا التّفسير كثيراً، ولهذا جعلنا هذا التفسير في المرحلة الثّانية "فتأمل"! وعلى كل حال، فالآية تشير إِلى امتيازات الإِسلام والمسلمين الصادقين واستنادهم إِلى الدلائل المحكمة في اختيار مذهبهم هذا.. وفي قبال ذلك تذكر ما بصير إِليه المنكرون والمستكبرون من مآل مشؤوم أيضاً.. بحوث 1 - ما المقصود "بالشاهد" في الآية ؟! قال بعض المفسّرين: إِن المقصود بالشاهد هو جبرئيل (ع) أمين وحي الله، ومنهم من فسّره بالنّبي (ص) ، ومنهم من قال: إِنّ معناه لسان النّبي (ص) في حالة فهم معنى "يتلو" من التلاوة أي القراءة، لا بمعنى التلّو الذي معناه مجيء شخص بعد آخر. ولكن كثيراً من كبار المفسّرين فسروا "شاهد" بالإِمام علي (ع) ، ففي روايات كثيرة وصلتنا عن الأئمّة المعصومين، وفي بعض كتب تفسير أهل السنة - أيضاً - هناك تأكيد على أنّ المقصود من "الشاهد" في الآية هو الإِمام علي (ع) أوّل من آمن بالنّبي والقرآن الكريم، وكان معه في جميع المراحل ولم يقصر لحظةً في التضحية دونه وحمايته إِلى آخر نفس (2). وفي حديث منقول عن الإِمام علي (ع) أنّه قال: "ما من رجل من قريش إلاّ وقد أنزل فيه آية أو آيتان من كتاب اللّه، فقال له رجل من القوم: وماذا أنزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما تقراً الآية التي في هود (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه) محمّد (ص) على بيّنة من ربّه وكنت أنا الشاهد" (3). وفي آخر سورة الرعد عبارة تؤيد هذا المعنى، حيث يقول سبحانه: (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). هناك روايات كثيرة عن طرق الشيعة وأهل السنة تبيّن أنّ المراد بقوله: (ومن عنده علم الكتاب) هو الإِمام علي (ع). وممّا يجدر ذكره - كما أشرنا سابقاً - أن واحداً من أفضل طرق حقانية أيّ مذهب هو مطالعة شخصية أتباعه والمدافعين عنه وحماته. فحين نلاحظ جماعةً أتقياء، أذكياء، مؤمنين مخلصين اجتمعوا حول أحد القادة، أو مذهب معين فسيتّضح جيداً أنّ هذا القائد وهذا المذهب على درجة عالية من الحق والصدق. ولكن حين نرى جماعة انتهازيين محتالين غير مؤمنين ولا متقين تجمعوا حول مذهب مّا أو قائد مّا، فقلّ أن نصدّق أن ذلك المذهب أو القائد على حق. وينبغي الإِشارة إِلى هذا الأمر، وهو أنّه لا منافاة بين تفسير كلمة الشاهد بالإِمام على، وبين شمولها لجميع المؤمنين من أمثال أبي ذرّ وسلمان وعمّار واضرابهم، لأنّ هذه التفاسير تشير إِلى الشخص البارز والشاخص في هؤلاء المؤمنين، أي إِنّ المقصود هو جماعة المؤمنين الذين في طليعتهم الإِمام علي (ع). والدليل على هذا الكلام رواية منقولة عن الإِمام الباقر (ع): قال: "الذي على بينّة من ربّه رسول الله الذي تلاه من بعده الشاهد منه أميرالمؤمنين ثمّ أوصياؤه واحد بعد واحد" (4). وعلى الرغم من أنّ هذه الرّواية تذكر المعصومين فحسب، ولكنّها تدل على أن الرّوايات التي تفسر الشاهد بالإِمام علي لاتعني شخصه فحسب، بل كونه مصداقاً وشاخصاً للمؤمنين!... 2 - لماذا أُشير إِلى التوراة فحسب ؟! إِن واحداً من دلائل حقانية النّبي كما ذُكر في الآية الآنفة - الكتب السابقة على نبوة النّبي (ص) ، ولكن لم تذكر الآية من بينها سوى التوراة، ونحن نعرف أن الإِنجيل بشّر بظهور نبي الإِسلام أيضاً. ويمكن أن يكون السبب هو أنّ المحيط الذي نزل فيه القرآن وظهر الإِسلام فيه (أي مكّة والمدينة) متشبعاً بأفكار اليهود أكثر من غيرهم من أهل الكتاب، وكان المسيحيون يعيشون في أماكن أبعد من اليهود كاليمن والشامات ونجران والجبال الشمالية في اليمن التي تقع على فاصلة عشرة منازل من صنعاء! أو لأن أوصاف النّبي وردت في التوراة بشكل أوسع وأجمع. وعلى كل حال، فالتعبير عن التوراة بـ "إماماً" قد يكون لأجل أحكام شريعة موسى (ع) كانت موجودة فيه بشكل أكمل، حتى أنّ المسيحيين يرجعون إِلى تعليمات التوراة! 3 - من هو المخاطب في قوله: (فلا تك في مرية منه) ؟ هناك احتمالان في من هو المخاطب بهذه الآية: الإِحتمال الأوّل: النّبي (ص) نفسه، أي: يا رسول الله لا تتردد في حقانيّة القرآن وشريعة الإِسلام أقلّ تردد! وبالطبع فإِنّ النّبي بحكم كونه يدرك الوحي شهوداً، ويدرك بالحواس أنّ القرآن نازل من قبل الله، بل كان في درجة أعلى من الإِحساس، فلم يكن لدية تردد في حقانية هذه الدعوة، ولكن ليس هذه أوّل خطاب يوجه إِلى النّبي ويكون المقصود به عموم الناس، وكما يقول المثل العربي "إيّاك أعني واسمعي ياجارة". وهذا التعبير أساساً هو ضرب من البلاغة، حيث يوضع المخاطب غير الحقيقي مكان المخاطب الحقيقي لأهميته ولأغراض أُخرى. والإِحتمال الثّاني: إِنّه المخاطب بهذه الآية كل مكلّف عاقل، أي "فلا تك أيّها المكلف العاقل في مرية وتردد". وهذا وارد إِذا لم يكن المقصود بالآية (أفمن كان على بيّنة من ربّه) هو النّبي (ص) ، بل جميع المؤمنين الصادقين (فتدبّر). ولكن التّفسير الأوّل أكثر انسجاماً مع ظاهر الآية. ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ وهو النبي أو المؤمنون ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ عنهم (عليهم السلام): الذي على بينة من ربه الرسول والشاهد منه علي وقيل: هو جبرائيل أو القرآن ﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ قبل القرآن ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ التوراة ويتلوه أيضا في التصديق ﴿إَمَامًا﴾ يؤتم به حال ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وخبر قوله ﴿أَفَمَن﴾ محذوف أي كمن ليس كل ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الكائنون على بينة ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالقرآن أو بمحمد ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ﴾ فرق الكفار ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ مصيره ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ في شك ﴿مِّنْهُ﴾ من القرآن ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لتركهم النظر.