التّفسير
أخسر النّاس أعمالاً:
بعد الآية المتقدمة التي كانت تتحدث عن القرآن ورسالة النّبي محمّد (ص) تأتي آيات أُخر تشرح عاقبة المنكرين وعلاماتهم ومآل أعمالهم.
ففي أوّل آية من هذه الآيات يقول سبحانه: (ومن أظلم ممّن افترى على الله كذباً) ويعني أن تكذيب دعوة النّبي الصادق (ص) في الواقع هو تكذيب لكلام الله وافتراء عليه بالكذب و تكذيب من لا يتحدث عن أحد سوى الله يعدّ تكذيباً لله (1).
وكما تقدم في عدّة مواضع، فالقرآن المجيد يعبر في عديد من الآيات عن جماعة من الناس بقوله: "أظلم" في حين أنّ أعمالهم - كما يبدو - مختلفة، ولا يمكن أن نعدّ جماعات كثيرة مع وجود أعمال مختلفة بأنّهم أظلم الناس!
بل ينبغي أن يُعدّ البعض ظالمين، والبعض الآخر أظلم منهم، وسواهما أشدّ ظلماً منهما جميعاً..
ولكن - كما أجبنا عن هذا السؤال عدّة مرات - جذر جميع هذه الأعمال يعود لشيء واحد، وهو الشرك وتكذيب الآيات الإِلهية، وهو أعظم البهتان "ولمزيد من الإِيضاح يراجع ذيل الآية (31) من سورة الأنعام".
ثمّ يبيّن ما ينتظرهم من مستقبل مشؤوم يوم القيامة حين يُعرضون على محكمة العدل الإِلهي (أُولئك يعرضون على ربّهم) حينئذ يشهد "الأشهاد" على أعمالهم وأنّ هؤلاء هم الذين كذبوا على الله العظيم الرحيم وولي النعمة.. (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم) ثمّ ينادون بصوت عال (ألا لعنة الله على الظالمين).
ولكن من هم الأشهاد؟
أهم الملائكة، أم الحفظة على الأعمال، أم الأنبياء؟
للمفسّرين احتمالات وآراء، ولكن مع ملاحظة أن آيات أُخرى من القرآن تشير إِلى أنّ الأنبياء هم الأشهاد، فالظاهر أنّ المراد بالأشهاد هنا هم الأنبياء أيضاً.. أو المفهوم الأوسع وهو أنّ الأنبياء وسائر الأشهاد يشهدون على "الأعمال" يوم القيامة!
وفي الآية (41) من سورة النساء نقرأ قوله تعالى: (فكيف إِذا جئنا من كل أُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).
وفي شأن السّيد المسيح (ع) نقرأ في الآية (117) من سوره المائدة.
(وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم).
بعد هذا مَن القائل: (ألا لعنة الله على الظالمين) ؟
أهو الله سبحانه، أم الأشهاد على الأعمال؟!
﴿وَمَنْ﴾ أي لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ فنسب إليه شريكا أو ولدا ﴿أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يوم القيامة فيحبسون ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ جمع شاهد أو شهيد وهم الملائكة أو الأنبياء أو أئمة الحق من كل عصر ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ بكذبهم على الله.