أمّا المرحلة الثّالثة، فإنّ الله يوصي النّبي في دائرة أوسع فيقول: عليك أن تعامل اتباعك باللطف والمحبة: (واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين).
وهذا التعبير الجميل الرائع كناية عن التواضع المشفوع بالمحبة واللطف، كما أن الطيور تخفض أجنحتها لأفراخها محبّة منها لها، وتجعلها تحت أجنحتها لتكون مصانةً من الحوادث المحتملة، ولتحفظها من التشتت والتفرّق! فكذلك الأمر بالنسبة للنّبي إذ أُمرَ أن يخفض جناحه للمؤمنين الصادقين.
وحيث أن العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملا، فقد سمي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة، ولعل المعاشرة مأخوذة من هذا المعنى، لأنّها تجعل الناس بصورة مجموعة كاملة.
وهذا التعبير الرائع ذو المعنى الغزير يبيّن دقائق مختلفة في شأن محبة المؤمنين، ويمكن إدراكها بأدنى التفاتة!...
وذكر هذه الجملة - ضمناً - بعد مسألة الإنذار يكشف عن هذه الحقيقة، وهي إذا كان التعويل على الخشونة في بعض الموارد بمقتضى الضرورات التربوية، فإنّه وبلا فاصلة يأتي التعويل على المحبّة والعاطفة ليتوفر منهما نمط مناسب...
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ﴾ ألن جانبك ﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ويراد بالمؤمنين من صدقوا بألسنتهم.