ثمّ يضيف: وإِذا كان الله يريد أن يضلكم ويغويكم - لما أنتم عليه من الذنوب والتلوّث الفكري والجسدي - فلا فائدة من نصحي لكم إِذاً (ولا ينفعكم نصحي إِن أردت أن أنصح لكم إِن كان الله يريد أن يغويكم) فهو وليكم وأنتم في قبضته (هو ربّكم وإِليه ترجعون).
سؤال: مع مطالعة هذه الآية يثور هذا السؤال فوراً - كما أن كثيراً من المفسّرين أشاروا إِليه أيضاً - وهو: هل يمكن أن يريد الله الغواية والضلال لعباده؟
ثمّ أليس هذا دليلا على الجبر؟
وهل يتوافق هذا المعنى مع أصل حرية الإِرادة والإِختيار للانسان؟
والجواب: كما اتّضح من ثنايا البحث المتقدم - وما أشرنا إِليه مرات عديدة - أنّه قد تصدر من الإِنسان - أحياناً - سلسلة من الأعمال التي تكون نتيجتها الغواية والإِنحراف الدائمي وعدم العودة إِلى الحق، اللجاجة المستمرة والإِصرار على الذنوب والعداء الدائم لطلاب الحق والقادة الصادقين..
كل هذه الأُمور تلقي على فكر الإِنسان حجاباً يفقده القدرة على رؤية أقل شعاع لشمس الحقيقة والحق، ولأنّ هذه الحالة من نتائج الأعمال التي يقوم بها الإِنسان، فلا تكون دليلا على الجبر، بل هي عين الإِختيار، والذي يتعلق بالله تعالى أنّه جعل في مثل هذه الأعمال أثراً.
هناك آيات عديدة في القرآن تشير إِلى هذه الحقيقة، وقد أشرنا الى ذلك في ذيل الآية (رقم 7) من سورة البقرة وآيات أُخرى يمكن مراجعتها..
وفي آخر الآية - محل البحث ورد كلام بمثابة الجملة المعترضة ليؤكّد المواضيع التي بحثت قصّة نوح في الآيات السابقة واللاحقة، فتبيّن الآية أن الأعداء يقولون: إِنّ هذا الموضوع صاغه "محمّد" من قبل نفسه ونسبه إلى الله (أم يقولون افتراه).
﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ يخيبكم من ثوابه أو يهلككم ﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾ مالككم ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجازيكم بأعمالكم.