التفسير
بداية النّهاية:
إِنّ قصّة نوح عليه السلام الواردة في آيات هذه السورة، بُيّنت بعدّة عبارات وجمل، كل جملة مرتبطة بالأُخرى، وكل منها يمثل سلسلة من مواجهة نوح (ع) في قبال المستكبرين، ففي الآيات السابقة بيان لمرحلة دعوة نوح (ع) المستمرة والتي كانت في غاية الجدية، وبالإِستعانة بجميع الوسائل المتاحة حيث استمرت سنوات طوالا - آمنت به جماعة قليلة.. قليلة من حيث العدد وكثيرة من حيث الكيفية والإِستقامة.
وفي الآيات محل البحث إِشارة إِلى المرحلة الثّالثة من هذه المواجهة، وهي مرحلة انتهاء دورة التبليغ والتهيؤ للتصفية الإِلهية.
ففي الآية الأُولى نقرأ ما معناه: يا نوح، إنّك لن تجد من يستجيب لدعوتك ويؤمن بالله غير هؤلاء: (وأوحي إِلى نوح أنّه لن يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن).
وهي إِشارة إِلى أنّ الصفوف قد أمتازت بشكل تام، والدعوة للإِيمان والإِصلاح غير مجدية، فلابدّ إِذاً من الإِستعداد لتصفية والتحول النهائي.
وفي نهاية الآية تسلية لقلب نوح (ع) أن لا تحزن على قومك حين تجدهم يصنعون مثل هذه الأعمال (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) ونستفيد من هذه الآية - ضمناً - أنّ الله يطلع نبيّه نوحاً على قسم من أسرار الغيب بمقدار ما ينبغي، كما نجد أنّ الله تعالى يخبره بأنّه لَنْ يؤمن بدعوته في المستقبل غير أُولئك الذين آمنوا به من قبل، وعلى كل حال لابدّ من انزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجين ليطهر العالم من التلوّث بوجودهم، وليكون المؤمنون في منأى عن مخالبهم، وهكذا صدر الامر بإغراقهم، ولكن لابدّ لكل شيء من سبب، فعلى نوح أن يصنع السفينة المناسبة لنجاة المؤمنين الصادقين لينشط المؤمنون في مسيرهم أكثر فأكثر، ولتتم الحجّة على غيرهم بالمقدار الكافي أيضاً.
﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ﴾ لا تحزن حزن بائس ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ فقد حان وقت الانتقام لك منهم.