وجاء الأمر لنوح أن (... اصنع الفلك بأعيننا ووحينا).
إِنّ المقصود من كلمة "أعيننا" إِشارة إِلى أن جميع ما كنت تعمله وتسعى بجد من أجله في هذا المجال هو في مرآى ومسمع منّا، فواصل عملك مطمئن البال.
وطبيعي أنّ هذا الإِحساس بأنّ الله حاضر وناظر ومراقب ومحافظ يعطي الإِنسان قوة وطاقة، كما أنّه يحسّ بتحمل المسؤولية أكثر.
كما يستفاد من كلمة "وحينا" أيضاً أن صنع السفينة كان بتعليم الله، وينبغي أن يكون كذلك، لأنّ نوحاً (ع) لم يكن بذاته ليعرف مدى الطوفان الذي سيحدث في المستقبل ليصنع السفينة بما يتناسب معه، وإِنّما هو وحي الله الذي يعينه في انتخاب أحسن الكيفيات.
وفي نهاية الآية ينذر الله نوحاً أن لا يشفع في قومه الظالمين، لأنّهم محكوم عليهم بالعذاب وإِن الغرق قد كتب عليهم حتماً (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون).
هذه الجملة تبين بوضوح أنّ الشفاعة لا تتيسر لكل شخص، بل للشفاعة شروطها، فإِذا لم تتوفر في أحد الاشخاص فلا يحق للنّبي أن يشفع له ويطلب من الله العفو لأجله (راجع المجلد الأوّل من هذا التّفسير ذيل الآية 48 من سورة البقرة).
أمّا عن قوم نوح فكان عليهم أن يفكروا بجد - ولو لحظة واحدة - في دعوة النّبي نوح (ع) ويحتملوا على الأقل أن هذا الإِصرار وهذه الدعوات المكررة كلها من "وحي الله" فتكون مسأله العذاب والطوفان حتمية!!
﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ السفينة ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ برعايتنا وحفظنا ﴿وَوَحْيِنَا﴾ وتعليمنا ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ كفروا بإمهالهم ﴿إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ لا محالة.