لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فأحسّ نوح أنّ طلبه هذا من ساحة رحمة الله لم يكن صحيحاً، ولا ينبغي أن يتصور نجاة ولده ممّا وَعَد الله به في نجاة أهله، لذلك توجه إِلى الله معتذراً مستغفراً و (قال ربّ إنّيَ أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلاّ تغفر لي وترحمني أكُنْ من الخاسرين). بحوث 1 - لم كان ابن نوح "عَمَلا غير صالح"؟! يعتقد بعض المفسّرين أنّ في الآية إِيجاز حذف، وأصل الآية هكذا "إنّه ذو عمل غير صالح". ولكن مع ملاحظة أنّ الإِنسان قد يذوب في عمله إِلى درجة كأنّه يصير بنفسه العمل ذاته، وفي اللغات المختلفة يأتي مثل هذا التعبير على نحو المبالغة كأن يقال: إِنّ فلاناً هو كل العدل والسخاء، أو إِنّ فلاناً هو السرقة والفساد فكأنّه غاص في العمل حتى صار هو العمل بذاته. فابن نوح كان كذلك، فقد جالس رفقاء السوء وغاص في أعمالهم السيئة وأفكارهم المنحرفة، بحيث كأنّ وجوده تبدل إِلى عمل غير صالح!.. فعلى هذا.. وإِن كان التعبير المقدم موجزاً ومختصراً جداً، إلاّ أنّه يعبّر عن حقيقة مهمّة في ابن نوح!. أي لو كان هذا الظلم والإِنحراف والفساد في وجود ابن نوح سطحيّاً لكانت الشفاعة في حقّه ممكنة، ولكنّه أصبح غارقاً في الفساد والإِنحراف، فليس للشفاعة هنا محلّ، فدع الكلام فيه يانوح!.. وما يراه بعض المفسّرين من أن كنعان لم يكن ابن نوح حقيقةً، أو أنّه كان إِبناً غير شرعي، أو أنّه ابن شرعي من زوجته عن رجل آخر، بعيد عن الصواب لأنّ قوله: (إنّه عمل غير صالح) في الواقع علة لقوله: (إنّه ليس من أهلك) أي إِنّما نقول لك إِنّه ليس من أهلك فلأنّه انفصل عنك بعمله وإِن كان الرباط النسبي لا يزال قائماً.. 2 - دائرة الوعد الإلهي مع ملاحظة ما ورد في الآيات المتقدمة من خطاب نوح لربّه وما أجابه الله به، ينقدح هذا السؤال وهو: كيف لم يلتفت نوح إِلى أنّ ابنه كنعان كان خارج دائرة الوعد الالهي؟ ويمكن الإجابة على هذا السؤال - كما أشرنا آنفاً - أنّ هذا الابن لم تكن له طريقة واحدة معروفة، فتارةً تراه مع المؤمنين وأُخرى مع الكفار، ممّا يوهم أنّه مؤمن. بالإِضافة إِلى الإِحساس بالمسؤولية الكبرى التي كان نوح يجدها في نفسه بالنسبة إِلى ولده، كذلك المحبّة والعلاقة الطبيعية التي يجدها كل أب بالنسبة لابنه، والأنبياء غير مستثنين من هذا القانون، كل ذلك كان سبباً في أن يطلب نوح من ربّه هذا الطلب.. ولكن بمجرّد أن اطّلع على واقع الأمر، أسِفَ على طلبه فوراً واعتذر إِلى الله راجياً عفوه - وإِن لم يكن صدر منه ذنب - لأنّ موقع النّبي يقتضي منه أن يراقب كلامه وتصرفاته، فكان الأولى عليه الترك، ومن هنا فقد سأل الله العفو والمغفرة.. ومن هنا يتّضح الجواب على سؤال: هل يذنب الأنبياء حتى يطلبوا العفو والمغفرة ؟ 3 - هناك حيث تنقطع العلائق تعكس الآيات الآنفة درساً من أنجع الدروس الإنسانية والتربوية ضمن بيان قصّة نوح.. درساً لا مفهوم له في المذاهب المادية لكنّه أصل أساس في المذهب الإلهي والمعنوي. فالعلائق المادية "النسب، القرابة، الصداقة، المرافقة" تخضع دائماً في المذاهب السماوية إلى العلائق المعنوية. وفي المذاهب السماوي لا مفهوم للعلاقة النسبية والقرابة مقابل الرابطة المذهبية. هناك حيث تتحقق العلاقة الدينية، كسلمان الفارسي الذي لا هو من أهل بيت النّبي ولا من قريش ولا من أهل مكّة، بل لم يكن اساساً من العرب، ولكنّه طبقاً لما ورد في الحديث الشريف المعروف "سلمان منّا أهل البيت" كان يُعدّ من أسرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم). إلاّ أنّ الابن الواقعي والمباشر للنّبي - كابن نوح - يُطرد على أثر قطع علاقته الدينية، ويقال في شأنه لأبيه نوح: (إنّه ليس من أهلك). قد تكون هذه المسألة المهمّة عسيرة الفهم لمن يعيش في دائرة التفكير المادي لكنّها حقيقة من صميم الأديان السماوية جميعاً. وعلى هذا الأساس نجد أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تتحدث عن بعض الشيعة الذين يحملون اسم التشيّع إلاّ أنّه لا يوجد فيهم علائم من تعليمات أهل البيت (عليهم السلام) بنفس الطريقة التي تقدمت في الآيات الآنفة في القرآن الكريم حيث نقل عن علي بن موسى (عليه السلام) أنّه سأل بعض أصحابه يوماً: كيف يفسر الناس هذه الآية (إنّه عمل غير صالح).. فأجابه أحد الحاضرين: إنّهم يعتقدون أن كنعان لم يكن الابن الحقيقي لنوح، فقال الإمام: "كلاّ لقد كان ابنه، ولكن لمّا عصى الله نفاه عن أبيه، كذا من كان منّا لم يطع الله فليس منّا" (1). 4 - المسلمون المطرودون ومن المناسب أن نستلهم من الآية فنشير إلى قسم من الأحاديث الإسلامية التي ترى طوائف كثيرة من المسلمين، أو أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في الظاهر مطرودين وخارجين عن صف المؤمنين والشيعة: 1 - فقد ورد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "من غش مسلماً فليس منّا" (2). 2 - كما روي عن الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: "ليس بولي لي من أكل مال مؤمن حرام" (3). 3 - ويقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "ألا ومن أكرمه النّاس اتقاء شره فليس منّي". 4 - وروي عن الإمام علي أنّه قال: "ليس من شيعتنا من يظلم الناس". 5 - وقال الإمام الكاظم (عليه السلام): "ليس منّا من لم يحاسب نفسه كل يوم" (4). 6 - ويقول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "من سمع رجلاً يناديى يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم" (5). 7 - وقال الإمام الباقر (عليه السلام) لأحد أصحابه وكان يدعى "جابراً": "واعلم يا جابر بأنك لا تكون لنا وليّاً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا: إنّك رجل سوء، لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنّك رجل صالح، لم يسرك ذلك، ولكن أعرض نفسك على كتاب الله" (6). هذه الأحاديث تضع علامة "البطلان" على تصورات من يقنع بالإسم فحسب ولكنّهم لا يعيرون أهمية للعمل بالتكليف، أو للروابط الايمانية، وتثبت بوضوح أنّ الأصل في مذهب القادة الرّبانيين والأساس هو الإيمان بالعقيدة والعمل بمناهجهم، وينبغي أن يقاس كل شخص بهذا المقياس. ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ﴾ من ﴿أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي﴾ بالتوفيق ﴿أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قاله تخشعا لا لذنب.