وفي آخر آية تختم بها قصّة نوح - في هذه السورة - إِشارة كلية عامّة إِلى ما حدث في عهد نوح فتقول: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إِليك ماكنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا).
فالخطاب هنا للنّبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد عليه أن يصبر ويستقيم كما صبر واستقام نوح (عليه السلام) عندما واجه المشاكل، وهكذا تكون عاقبة الصبر النصر (فاصبر إِنّ العاقبة للمتقين).
الآية اللأخيرة تشير إِلى عدّة مسائل:
1 - إِنّ بيان قصص الأنبياء (عليهم السلام) - بالصورة الواقعية والخالية من أي نوع من أنواع التحريف الخرافة - ممكن عن طريق الوحي السماوي فحسب، وإلاّ فإِنّ كتب تاريخ الماضين مليئة بالأساطير والقصص الخياليّة التي بلغت درجة لا يمكن معها معرفة الحق من الباطل، وكلما عدنا إِلى الوراء أكثر وجدنا الخلط والتزييف أكثر.
فعلى هذا، يعتبر بيان حال الانبياء الماضين والاقوام السالفة بصورة سليمة وخالية من الخرافات والخزعبلات دليلا على حقانية القرآن والاسلام والنّبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
2 - يستفاد من هذه الآية - خلافاً لما يتصوره البعض - أنّ الأنبياء كانوا يعلمون الغيب عن طريق تعليم الله وبالمقدار الذي كان يريده الله لهم، لا أنّهم يعلمون الغيب من أنفسهم، وإِذا وجدنا في بعض الآيات ما ينفي العلم الغيبي عنهم، فهو إِشارة إِلى أنّ علمهم ليس ذاتياً، بل هو من الله.
3 - وهذه الآية توضح حقيقة أُخرى، وهي أنّ بيان قصص الأنبياء والأقوام الماضين في القرآن ليس درساً للمسلمين فحسب، بل هو إِضافة إِلى ذلك تسلية لخاطر النّبي وطمأنة لقلبه، لأنّه بشر أيضاً، وينبغي أن يتلقى الدروس من الأديان الالهية و يتهيأ لمواجهة الطاغوت في عصره، وأن لا يكترث بهموم المشاكل في طريقه.
أي كما واجه نوح المشاكل بصبر واستقامة لسنين طوال ليهدي قومه إِلى الإِيمان، فعليك يا نبي الإِسلام أن لا تدع الصبر والإِستقامة على كل حال!
والآن نودع قصّة نوح بكل ما تحمل من عبر وأعاجيب، ونتوجه إِلى نبي عظيم آخر وهو هود الذي سُمّيت هذه السورة باسمه.
﴿تِلْكَ﴾ أي قصة نوح هي ﴿مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا﴾ القرآن ﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذى قومك كما صبر نوح ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ﴾ المحمودة عاجلا وآجلا ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾.