لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
فمع جميع ما أكّده نبيّهم العظيم "صالح" في شأن الناقة، فقد صمّموا أخيراً على القضاء عليها، لأنّ وجودها مع مافيها من خوارق مدعاة لتيقظ الناس والتفافهم حول النّبي صالح، لذلك فإنّ جماعة من المعاندين لصالح من قومه الذين كانوا يجدون في دعوة صالح خطراً على مصالحهم، ولا يرغبون أن يستفيق الناس من غفلتهم فتتعرض دعائم استعمارهم للتقويض والانهيار، فتآمروا للقضاء على الناقة وهيأوا جماعة لهذا الغرض، وأخيراً أقدم أحدهم على مهاجمتها وضربها بالسكين فهوت إلى الأرض (فعقروها). "عقروها" مشتقة من مادة "العُقر" على وزن "الظلم" ومعناه: أصل الشيء وأساسه وجذره، و"عقرت البعير" معناه نحرته واحتززت رأسه، لأنّ نحر البعير يستلزم زوال وجوده من الأصل، وأحياناً تستعمل هذه الكلمة لطعن الناقة في بطنها. أو لتقطيع أطراف الناقة بدل النحر وكل ذلك في الواقع يرجع إلى معنى واحد "فتأمل"!...". العلاقة الدّينية: الطريف أنّنا نقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الذي عقر الناقة لم يكن إلاّ واحداً، لكن القرآن ينسب هذا العمل إلى جميع المخالفين من قوم صالح "ثمود" ويقول بصيغة الجمع: (فعقروها) وذلك لأنّ الإسلام يعدّ الرضا الباطني في أمر ما والإرتباط معه ارتباطاً عاطفياً بمنزلة الإشتراك فيه، وفي الواقع فإنّ التآمر على هذا العمل لم يكن له جانب فردي، وحتى ذلك الذي أقدم على عمله لم يكن معتمداً على قوته الشخصيّة فجميعهم كانوا مرتاحين لعمله وكانوا يسندونه، ومن المسلّم أنّه لا يمكن أن يعدّ هذا العمل عملاً فردياً. بل يعد عملاً جماعياً. يقول الإمام علي (عليه السلام): "وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا" (6). وهناك روايات متعددة في المضمون ذاته نقلت عن نبي الإسلام وأهل بيته الكرام، وهي تكشف غاية الإهتمام من قبل هؤلاء السادة العظام بالعلاقة العاطفية والمناهج الفكرية المشتركة بجلاء، ونورد هنا على سبيل المثال - لا الحصر - عدداً منها. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "من شهد أمراً فَكرِهه كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كمن شهده" (7). ويقول الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) "لو أنّ رجلاً قُتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزَّوجلَّ شريك القاتل" (8). ونقل عن الإمام علي (عليه السلام) أيضاً أنّه قال: "الراضي بفعل قوم كالداخل معهم فيه وعلى كل داخل في باطل إثمان إثم العمل به وإثم الرضا به" (9). ومن أجل أن نعرف عمق العلاقة الفكرية والعاطفية في الإسلام وسعتها بحيث لا يُعرف لها حد من جهة الزمان والمكان، فيكفي أن نذكر هذا الكلام للإمام علي (عليه السلام) من نهج البلاغة لنلفت إليه الأنظار: "حين انتصر الإمام علي في حرب الجمل على المتمردين ومثيري الفتنة وفرح أصحاب علي بهذا الإنتصار الذي يُعدّ انتصاراً للإسلام على الشرك والجاهلية، قال له أحد أصحابه: "وودت لو أنّ أخي شهدنا هنا في الميدان ليرى انتصارك على عدوك". فالتفت الإمام (عليه السلام) إليه قائلاً: "أهوى أخيك معنا" فقال: "نعم" فقال الإمام (عليه السلام): "شَهِدنَا" ثمّ قال: "ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان" (10). ولا شك أنّ أُولئك الذين يساهمون في منهج ما ويشتركون فيه ويتحملون كل مشاكله وأتعابه، لهم امتياز خاص، ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لم يشتركوا في ذلك أبداً، بل سواءً كانوا في عصرهم أو العصور والقرون المقبلة ولهم ارتباط عاطفي وفكري بهم فهم مشتركون معهم بنحو من الانحاء. هذه المسألة التي قد لا نجد لها نظيراً في أي مذهب من مذاهب العالم، قائمة على أساس من حقيقة اجتماعية هامة، وهي أن المنسجمون فكرياً وعقائدياً حتى لو لم يشتركوا في منهج معيّن، إلاّ أنّهم سيدخلون قطعاً في مناهج مشابهة له في محيطهم وزمانهم، لأنّ أعمال الناس منعكسة عن أفكارهم، ولا يمكن أن يرتبط الإنسان بمذهب معين ولا يظهر أثره في عمله. والإسلام منذ الخطوة الأُولى يهتم بايجاد اصلاحات في روح الإنسان ونفسه لإصلاح عمله تلقائياً وعلى ضوء الرّوايات المتقدمة فإنّ أي مسلم يبلغه أنّ فلاناً عمل عملاً صالحاً - أو سيئاً - ينبغي أن يتخذ الموقف الصحيح من ذلك العمل فوراً ويجعل قلبه وروحه منسجمين مع "الصالحات" وأن ينفر من "السيئات" فهذا السعي و"الجد" الداخلي لا شك سيكون له أثر في أعماله، وسيتعمق الترابط بين الفكر والعمل. وفي نهاية الآية نقرأ أنّ النّبي "صالحاً" بعد أن رأى تمرّد قومه وعقرهم الناقة أنذرهم (فقال تمتعوا في دارك ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب) فهو وعد الله الذي لا يتغير وما أنا من الكاذبين. ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ العاقر قدار برضاهم فنسب إليها ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ وبعدها تهلكون ﴿ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ فيه أو غير كذب.