وثانياً: فإِنّ إِبراهيم كان له أتباع وعمال وجيران، وهذا الأمر متعارف أن يصنع مثل هذا عند الضيافة ويكون فوق حاجة الأضياف ليأكل منه الجميع... ولكن حدث لإِبراهيم حادث عجيب مع أضيافه عند تقديم العجل الحنيذ لهم، فقد رآهم لا يمدّون أيديهم إلى الطعام، وهذا العمل كان مريباً له وجديداً عليه، فأحسّ بالإِستيحاش واستغرب ذلك منهم (فلمّا رأى أيديهم لا تصل اليه نكرهم وأوجس منهم خيفة).
ومن السنن والعادات القديمة التي لا تزال قائمة بين كثير من الناس الذين لهم التزام بالتقاليد الطيبة للاسلاف.
هي أنّ الضيف إِذا تناول من طعام صاحبه (وبما اصطلح عليه: تناول من ملحه وخبزه) فهو لا يكنّ له قصد سوء، وعلى هذا فإنّ من له قصد سوء مع أحد - واقعاً - يحاول ألاّ يأكل من طعامه "وخبزه وملحه" ومن هذا المنطلق شك إِبراهيم في نيّاتهم، وأساء الظن بهم، واحتمل أنّهم يريدون به سوءاً.
أمّا الرسل فإنّهم لمّا اطلعوا على ما في نفس إِبراهيم، بادروا لرفع ما وقع في نفسه و(قالوا لا تخف إِنّا أُرسلنا إلى قوم لوط).
﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ﴾ لا يمدونها ﴿إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ﴾ أضمر ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا﴾ ملائكة ﴿أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ لنهلكهم ولسنا ممن نأكل.